للإصلاح كلمة تعلق علي مقال : "حدود الحرية الدينية في موريتانيا" / محمدَ بن البار

كلمة الإصلاح قرأت هذا المقال في موقع " مراسلون " ونسبته لسعادة السفير عبد القادر ولد محمد ، ومع أنني مع الأسف لا أعرفه شخصيا ولا أعرف أي شيء عن حياته الخاصة إلا عمله الدبلوماسي المعبر عنه في المقال بكلمة السفير ، إلا أني قرأت من خلال هذا المقال أن سلوكه في هذه الحياة الدنيا مثل سلوكنا نحن جميعا غالبية الشعب الموريتاني لا نذكر من علاقتنا بالدين إلا المتعلق منها بالدنيا ، أما الجزاء في الآخرة فلا يؤرقنا موضوعه ، وملخص ذلك أننا ندين بيئة ولله الحمد بالدين الإسلامي الخالص الذي لا دين لنا معه ، ولكن حياتنا في تنفيذ ذلك نبقيها علي عاداتنا وتقاليدنا في حدود ما يأمر به الدين في العبادات من غير أن نلاحظ مباشرة أن الدين تقال لما جاء في هذا الكتاب المنزل من عند الله ونؤمن به كذلك أي بمقتضي ما يأمر به في كل آية منه ، وما صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه هو السلوك الصحيح في هذا الدين مفسرا به القرآن أو من تعليماته هو بفعله أو قوله أو تقريره .

ونصوص هذا الدين ختم الله بها وحيه القرآني بقوله تعالي : (( اليوم أكملت لكم دينكم )) إلي آخر الآية ، وختم النبي صلي الله عليه وسلم نصوص الدين بما جاء في خطبة الوداع بقوله : ( اللهم هل بلغت اللهم فاشهد ) ، وبذلك يكون الدين المراد تطبيقه كل ما جاء في هذين الوحيين من عبادة ومعاملة وأحكام جنائية وأحوال شخصية وأدبية إلي آخره ، وعمل هذا كله هو الطريق المستقيم الذي أمرنا الله بأن نسأله الاستقامة عليها 17 مرة في 24 ساعة علي الأقل ، وفي هذين الوحيين أن الجزاء علي امتثال هذه النصوص سواء بالثواب أو العقاب لا يكون إلا بعد الموت ، فما دام الإنسان حيا فالأوامر أمامه كلها يعبر عن ذلك قوله تعالي : (( من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا )) ، هذه النصوص الواضحة التي نزلت أولا في مكة وأخيرا في المدينة وفي السفر أثناء حياة الرسول صلي الله عليه وسلم يشترك في الأمر بها من يوم نزولها إلي أن يرث الله الأرض ومن  عليها علي التساوي أهل مكة وأهل المدينة وولايات انواكشوط الثلاثة ومقاطعاتها وكل من في الدنيا إلا أن المؤمنين يخاطبون خاصة بما بعد : "يا أيها الذين ءامنوا " ويشتركون مع غيرهم في خطاب : " يا بني ءادم " ، " يا أيها الناس " ، " يا أيها الإنسان " ، وأكرر أن الجزاء علي كل إنسان بمفرده لا يكون إلا يوم القيامة ، ويُبدأ به من ساعة الموت مباشرة : (( اليوم تجزي كل بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب )) وقوله صلي الله عليه وسلم : " لا تزال قدما ابن آدم حتى يسأل عن أربع ,," إلي آخر الحديث.

وهذه الأوامر الجزاء علي امتثالها ويقال له العمل الصالح يكون بالجنة التي فيها ما تشتهيه الأنفس ، والمسمي منه في القرآن بلغة أهل الدنيا تقريبي فقط ولا نهاية له ، وأما عقاب عدم امتثالها فيكون بأنواع جهنم ويلخصه أن الشخص يكون هو والحجارة هم وقود جهنم ( وكفي ) والي ما لا نهاية أيضا .

هذه الصورة هكذا لا مرد لها من الله عن من استحقها ، لا يؤخذ من صاحبها عدل ولا تنفعه شفاعة ، وعدم انتباهنا نحن الموريتانيين لهذا هو المشاهد منا ، فنحن نسير في الدين كعادتنا في التفكير العام ، وبامتثال العبادات فقط ما استطاع منا إلي ذلك سبيلا ، أما المعاملات فأغلبنا لا يبحث فيها عما في النصوص من مباحها وحرامها ولا في العقائد من تنقيتها مما قد يخالطها ، ولا نطبق عقوبة الجنايات في الدنيا كما أنزلها الله ، فلا  نلقي لذلك كله بالا ، بل بعضنا عندما يفكر في تطبيقه يزين له الشيطان استهجانه ، وبذلك يكون امتثالنا للنصوص القرآنية مجزوء في الإسلام حتى ياتينا ملك الموت الذي وكل بنا فيترك أجسامنا - وتعرف الأرض كيف تأكلها - ويذهب بأرواحنا مباشرة إلي ربنا وهي التي تحس بالسرور والآلام ، وستعلم مباشرة عندئذ ما ينتظرها فتبدأ المسرة أو الآلام يقول تعالي في الفرق بين الشخص الظالم والطيب : (( الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء )) فيجابون (( بلي إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم )) ، أما الطيب يقول فيه تعالي : (( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) ، فالأول " فادخلوا أبواب جهنم " بالجملة البادئة بالفاء التي تقتضي التعقيب المباشر ، والثاني " ادخلوا الجنة " بدون ذكر الفاء لأن الذاهب إلي الخير غير مستعجل عليه ليقينه به ، ونحن في الدنيا عميان عن حالنا بعد الموت فنقول لكل ميت : (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية )) إلي آخر الآية ، فكان علينا قبل الموت أن نراجع جميع هذه النصوص التي نؤمن بما جاء فيها ونتكلم بمقتضي ما دلت عليه كلها بدون تجزئتها .

ومن هنا نصل إلي الملاحظات علي المقال المذكور عنوانه أعلاه لنبين تصحيحا – في نظري - لبعض ما جاء فيه :

أولا : يقول المقال أن كتابة القانون الجنائي حوالي الثمانينات جاءت معتمدة طبقا لتوجيه سياسي وأنه سمي حينها بتطبيق الشريعة الإسلامية ، وهو توجه إلي بعض الترتيبات التي لا زالت معلقة ومثل لها بالحدود ، وهنا أذكر بأنه آنذاك لم تكن فيه أي سياسة ضاغطة وإنما هناك علماء هم الذين عهد إليهم بالتقنين الجنائي مثل " عدود " رحمه الله  و" ابين ولد ببانه " حفظه الله إلي آخرهم ، ولكن الرئيس آنذاك خصه الله بأنه يخاف من الله فيما بعد الموت ، وهؤلاء العلماء تكلموا عن الشعب الذي يخاطب الله كل يوم سلطته التنفيذية يقول لهم : (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )) ، (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )) (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )) (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا )) إلي آخر الآيات ، فالنصوص لم تعلق هذا الأمر علي رضي العالم عنه أو رفضه لنوع هذه العقوبات ، ونقول من جهة أخري أن ذلك القانون لم يعطل إلا تنفيذه الذي لا يعذب عليه إلا السلطة التنفيذية ، فهي التي أمرها الله وحدها بأن تتولي التنفيذ ، فكم من حكم محكوم به وهو الآن أمام التنفيذ بالقطع والجلد والقتل لم ينفذ من طرف الرؤساء ، ولكن عهدة الشعب فيه تنتهي بالطلب به ، والقاضي تنتهي عهدته عند الحكم به ، والرئيس عليه التنفيذ ، وسيعامل الجميع كل حسب ما كلفته به النصوص ، ولكن المتوفين من السلطة التنفيذية لم يرسلوا بما لقيهم في ذلك ، وكذلك القضاة إذا لم يحكموا ، وكذلك الشعب إذا لم يطالب بحكم الله علي اللصوص ، فالله يخاطب السلطة التنفيذية في شخص النبي صلي الله عليه وسلم ما دام حيا بقوله تعالي : (( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) إلي آخر الآية ، وبعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم توجه الخطاب إلي خلفائه علي المسلمين .

ثانيا : يقول المقال : " أن المسؤولين الموريتانيين أصبحوا في حرج من قانون الثمانينات : فنظرا لحساسية الشارع لا يستطيعون تعديله مع أن الدول المجاورة أبدلته بالتعزير والتعزير أصلا تابع للديانة المانوية " معني ذلك أن السلطة التنفيذية تخاف تحرك الشارع  ولا تخاف من قوله تعالي : (( فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب)) .

وخلاصة القول هنا أن الله أمر بعقاب المجرمين بالنصوص الواردة في القرآن والتي حدد الرسول صلي الله عليه وسلم شكلها في السرقة والزنا والقصاص ، وإذا لم يتم ذلك الشكل ويتحقق ما دونه يبدل الحد بالتعزير وهو العقوبة التي يضعها القاضي حسب اجتهاده ، وفعله في ذلك يكون حكما من أحكام الله علي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فمن فعل غير هذا فقدومه إلي الله يوم موته لا يعرف إلا الله ما سيلاقيه في تلك الساعة .

ثالثا : يقول المقال : " أن القانون لا يشترط في الجنسية الموريتانية أن يكون صاحبها مسلما "

وهذه الفقرة أنا أتعجب من قولها : فمعروف أن أعلي سلطة قانونية في الدولة هي دستورها ، وكل قانون يخالفه فهو باطل تلقائيا ، والدستور يقول في المادة 5 : ( الإسلام دين الشعب والدولة ) ، ومعروف أن تعريف الجزئيين يفيد الحصر ، والجزءان هما المبتدأ والخبر عند النحويين ، والمسند والمسند إليه عند البلاغيين ، والدستور حصر دين الشعب والدولة في الإسلام ، و"ال" في الشعب للاستغراق و " ال " في الدولة للسلطات كذلك ، فمن حمل جنسية موريتانيىة وهو غير مسلم فهو إذا ليس من الشعب وليس من الدولة ، ومثل ذلك الأجنبي المقيم 10 سنين الذي يعطيه القانون أصلا حق التجنس ولو غير مسلم ، وكذلك الزوج والزوجة بعد زواجهما ب 5 سنين يعطيهم القانون حق التجنس بقوة قانون الزواج ، ومثل ذلك التجنس بالمرسوم الرئاسي الذي يمنح الرئيس اعطاء الجنسية الموريتانية لمن خدم موريتانيا  خدمة نوعية وإن كان غير مسلم ، ولكن كل هؤلاء بعد صدور المادة 5 من الدستور التي حصرت الجنسية الموريتانية في من يعتنق الإسلام فيبطل بها تجنيس غير المسلم ، اللهم إلا إذا احتقرت السلطة التنفيذية المادة 5 مثل احتقارها للمادة 6 المتعلقة باللغة العربية التي لم يطبق من تلك المادة السادسة إلا شكليات الرسائل في المكاتب ، فالموضوع دائما يكتب باللغة الفرنسية التي لم تذكر أصلا في الدستور امعانا في اهانتها بوجود الرأسيات الشكلية في المكاتب وامعانا كذلك في عدم احترام الدستور .

رابعا : ذكر المقال : " أن البعض كان يقول أن مبدأ الاسترقاق من أنكره فقد أنكر ما علم من الدين بالضرورة " ، وهذا الاعتقاد ما زال قائما ، فمن أنكر أنه في زمن النبي صلي الله عليه وسلم لم يقع استرقاق فقد كذب نصوص القرآن يقول تعالي : (( ولعبد مؤمن خير من مشرك )) ، (( ولأمة مؤمنة خير من مشركة )) فمن أنكر جواز هذا فقد أنكر ما علم من الدين بالضرورة ، والمنكور الآن بالأدلة ما كان منه موجودا في موريتانيا ، لأن أكثره مبني علي رق الجاهلية وأنواعه كثيرة ، ولكن بعد وقوعه يسبغونه برق الإسلام تقولا عليه .

وفي الأخير يقول المقال : " أن المصلحة الآن في أن يقع حوار هادئ مثل حوار قضية الجهاد ليتسني تغيير قوانين الجنايات حتى يكون مثل قوانين الدول المجاورة " ، وهنا أنبه أنه : إذا وقع حوار هادئ في الدنيا في الموضوع فهل سيكون العذاب علي هذا الاجتماع لتغيير القوانين الجنائية الاسلامية هادئ يوم القيامة ؟ أو سيقال لأصحابه : (( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضي من القول وكان الله بما يعملون محيطا )) .

وخلاصة كلمة الإصلاح أن علي المسلم أن يتيقن أن أيامه في الدنيا محدودة ، وأمامه فحوي قوله تعالي : (( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعي لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ))

 

13. يونيو 2020 - 7:02

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا