اخترت أن أعنون ردي المتواضع والمفعم بمشاعر الود والاحترام والاعتذار لصديقتي وأختي: حواء بنت ميلود، بعنوان قصيدتها الجميلة التي فازت لسنة 2010 بالعاصمة الجزائرية في مسابقة خاصة بالشعر النسائي، واحتلت المرتبة الثانية عربيا، والتي كانت تحمل هذا العنوان.
أختي حواء أعتذر لك جدا عن كلمة «لن تضف جديدا» التي يبدو أنها حملت صفة سلبية تجاهك، فحشا لله فأنت رمز النقاء والعفة والصدق، والثقافة الهادئة فأكرر لك اعتذاري وأسحبها، وأعترف أنها "زلة لسان"، فأرجوك اقبلي اعتذاري...
إنني أعتبر ردك الجميل ولغتك الشاعرية هي الحسنة الوحيدة التي جاءت نتيجة لمقالي السابق، لأنك برهنت أن الساحة الثقافية الوطنية تضم أقلاما نسائية هادئة وملتزمة مثلك، ولكي نبرهن أيضا أن المرأة إذا أتيحت لها الفرصة أكثر قدرة من الرجل على الالتزام بأدبيات المسجلات الفكرية أو الأدبية، الشيء الذي نكاد لا نستبينه في المنهج الرجالي، وهم مع ذلك أصحاب السيادة والفكر والصولة والاكتمال البشري... !!
أختي العزيزة موضوع هذا المقال الاعتذار لك شخصيا، مع إضافة بسيطة لبعض النقاط تتلخص أساسا في ثلاثة نقاط جاءت في مقالك المحترم؛ فاستهواني تسليط قليلا من الضوء على بعض جوانبها.
النقطة الأولى: قضية المشاهد، وذلك عندما قلت إن إرضاء المشاهدين هدف ينبغي أن نسعى له جميعا، فهذا طبعا مبتغى جميل، لكنني أنا في كينونتي لا أسعى له إطلاقا ! لسبب بسيط هو أن غالبية المشاهدين بسطاء، بمعنى آخر ضحايا لثقافة متخلفة، فهم بهذا أكثر احتياجا لوصفة دواء التنوير من وجبة الإرضاء.
والأقلية التي تعد على أصابع اليد الواحدة وتصنف بأنها من المثقفين فهي مكبّلة بقيود من تراث القرون المترعة بالظلم والقهر، وبالتالي مهما تعلموا ومهما حصلوا عليه من شهادات وتجارب فإن ازدواجية العقد والتناقض تحاصر سلوكهم ونظرتهم للحياة.
وانطلاقا من هذا فإن المريض عليك دواؤه ولا عليك في إرضائه.
وإرضاء المشاهد من وظائف اثنين لا ثالث لهما:
1- الصحفي الذي يدير البرنامج ويطرح الأسئلة نيابة عن المشاهدين.
2- رجل السياسة الذي يغازل الناخبين، ويخطف ودهم، ولا عليه إذا ماتوا جوعا أو تخلفا أو هما معا...!!
أما المثقف صاحب رسالة التغيير فهو شيء مختلف تماما، فهو الذي يقود ثورة ضد التخلف وضد العقليات البائدة، والأمثال على هذا النمط من المثقفين خالدة مثل: رواد النهضة العربية: محمد عبده ورشيد رضا وغيرهم...
فالأول أثار ضجة وناصبه الجميع العداء، وبعد أزيد من قرن على موته (ت1318هـ/1905م) وموت خصومه بقي هو حيا بأفكاره التجديدية التي مازلنا ننير بها درب ليلنا، وتدرّس لنا في الجامعات الأكاديمية، وهي التي كانت يوما ما مشاكسة ومرفوضة...!!
النقطة الثانية: قضية الولايات المتحدة الأمريكية، فأنا أمقت أمريكا "حتى النخاع" لأن ذلك جزء من عقيدتي، وقد قدمتها كنموذج في الرقي الحضاري وهذه مسألة لا جدال فيها، فمحمد عبده قبلي قال: "إن الغرب المسيحي إسلام بدون مسلمين والمشرق الإسلامي مسلمون بدون إسلام !! " لأن الأول طبق قيم الإسلام في الصدق والأمانة وعدم الرشوة، والثاني يتخبط في أزمة أخلاقية لا حدود لها... !! والأول تربى في مؤسسات التعليم والتكوين وضبط المواعيد والصرامة والوضوح في كل شيء، والثاني تربى في البيوت والخيام المشرعة في لفيف من النساء (أمهات أو أخوات أو حريم) اللواتي يحملن ثقافة القبيلة والجهة، والتنافس السلبي مع الآخر وثقافة الانقسامية (أنا ضد أخي وأنا وأخي ضد الآخر...) والثأر وبهذا كانت تجربة الأول رائدة (بالمفهوم الدنيوي) والثاني هزيلة (قاصرة عن مهمة الاستخلاف التي شُرّفنا بها)، وهذا ليس افتنانا بالأول –أعوذ بالله من ذلك- بل اعترافا بالحقيقة وإثارتها لكي يساهم ذلك في محاولة علاجها، ويكفيهم شهادة الله تبارك وتعالى في قوله جل من قائل وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سورة الروم الآية:6 .
أما مسألة تدميرهم للعالم وغزوهم للبشرية دليل صادق على شيئين:
أولا: إلحادهم وكفرهم ...
ثانيا: قوتهم وطغيانهم، فعندما تجاوزوا مشاكلهم وقضوا على ما يعيقهم انطلقوا يعمهون في الأرض فسادا، فوجدونا نحن فريسة صائغة منهكة مستسلمة، فدمروها تصديقا لقوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى[سورة العلق الآيتين: 6-7].
النقطة الثالثة والأخيرة: المسلسلات المدبلجة، فهذه النقطة لن أطيل فيها لأنها لا تستحق ذلك، أنا لست معجبة بالمسلسلات المدبلجة ولست من مشاهديها البتة، إلا أنني اعتبرت تحميلها مصائبنا يدخل في باب المبالغة أو الاشتغال بأشياء لا تستحق ذلك عن ما هو أهم، مثلما ثبت تاريخيا عن قساوسة القسطنطينية (عاصمة الإمبراطورية البيزنطينية) عندما كانوا يتجادلون في مسائل جزئية من قصص "السفر القديم" والقائد المسلم محمد الفاتح على أبواب المدينة التي فتحها سنة 857هـ/1453م.
وفي الختام أختي العزيزة حواء أجدد اعتذاري، أنت تعرفين منهجي الثائر على الظلم والقهر وعلى ما ترزح تحته المرأة من تمييز سلبي، وما تحمله ثقافتنا من أمثال وأشعار وأحاديث مزورة على النبي المعظم ضدنا، فكنت نتيجة لذلك أرفض المهادنة والمجاملة والهدوء، ولأي أحد أن يصفني كما شاء فله الحق في ذلك.
أما أنت ففوق الجميع وأعز من الجميع.
تربة بنت عمار
أستاذة التاريخ الإسلامي بجامعة نواكشوط