خلال العقود الأربعة الأخيرة ظلت شركة الكتب الإسلامية بموريتانيا موردا عذبا لفئات مختلفة تبدأ بالتلميذ والطالب، وتنتهي بكبار الفقهاء والمثقفين والساسة والأدباء الذين تجاوز أمرهم وإياها إطار التعامل المادي فأصبحوا يرونها بيتهم، وتوطدت علاقاتهم بالسادة القائمين عليها والعاملين بها من المدير إلى الفرَّاش.
بعض وزراء اليوم كانوا يشترون منها الكتب والأقلام والدفاتر وهم طلاب، ويندر وجود من يشار إليه (حتى الرئيس وكبار القادة الآن) إلا وقد تردد عليها واقتنى بعض الكتب منها، وجلس على مقاعدها، وكانت له نقاشات علمية أو ثقافية في ممراتها، مع روادها أو القائمين عليها.
ودون مبالغة يجوز القول إن لهذه المكتبة إسهاما في كل – أو جل- ما صدر من مؤلفات وبحوث، وما ألقي من محاضرات، أو أنجز من دراسات ومذكرات تخرج، من خلال توفير المراجع وتيسير مهمة الباحث.. إلخ؛ ناهيك عن عرض المؤلفات (خصوصا الوطنية منها) وتسويقها داخليا وخارجيا في بلاد يتعين فيها على المؤلف أن يكون طابعا وناشرا وموزعا ومتابعا.. وإلا ضاع جهده.
اليوم ترزح شركة الكتب الإسلامية (المكتبة الإسلامية كما تسمى أيضا) تحت حصار خانق ضربه عليها الباعة الفوضويون، وأصحاب الخِيَم؛ والمظلات، المغتصبون للشارع والميدان العام، بترخيص وعلم ورعاية من طرف بعض السلطات، فلم يدعوا طريقا إليها سوى الإنزال المظلي أو دوس الممتلكات الخصوصية. ثم زادت الأزمة الصحية الطين بلة فأجبرتها السلطات مدة على الإغلاق، دون تفريق بينها وبين مجموعة العارضين أمامها في العراء أو تحت سلسلة الخيام المتواصلة على طول الشارع، أو محلات السوق المجاور، ودون انتباه إلى تباين رواد كل منهما واختلاف سلوك الفئتين. وما جرى عليها في هذا جرى على مكتبتي الرشاد والإصلاح، لوقوع كل قرب السوق.
شركة الكتب الإسلامية اليوم تعاني بصمت، وماضيها وحاضرها (ومستقبلها إن شاء الله) يستدعي من كل مسؤول معني – يحترم نفسه- القيام بواجبه لإعادة تنظيم الشارع والسوق على نحو يتلاءم مع النظم الشرعية والقانونية والإدارية، كما يستدعي من كل وَفِيٍّ التضامن معها حسب وسعه وموقعه.
وهذا وسعي، وهذا موقعي.