عندما تجمعنا أمام بناية مطار نواكشوط "الدولي"، كنا محط اهتمام الصحافة الخصوصية، التي كان مصوروها منهمكين في أخذ الصور الفردية والجماعية للمجموعة المكونة ل"قافلة شنقيط الثالثة"، المتجهة إلي غزة، لفتت انتباهي تساؤلات المواطنين عن من هم هؤلاء؟ وما هي مهمتهم في غزة،
وهل هي رحلة آمنة...إلخ من التساؤلات المنطقية وغير المنطقية. فالبعض يعبر عن الإعجاب والتشجيع والبعض الآخر يحملنا التحايا لأهل غزة حصرا وتارة أخري لكل الفلسطينيين.. أما نحن فقد كنا بالمجمل منتشين، لتمكننا من تحقيق أمنية يتمناها كل حر وكل شريف: إنها مؤازرة أهل فلسطين عموما وأهل غزة بالخصوص، بعد سنوات عاشوها في ظل "الرصاص المسكوب"، واجهوا خلالها إبادة المحتل الغاشم وظلم ذوي القربي وتنكر العالم ومرارات استجلاب الغذاء والدواء عبر طرق حفروها بأظافرهم عشرين مترا تحت الأرض. داخل المطار اختفت تلك الهالة وأصبحنا مجرد كم داخل الصالة الدولية، الشيء الذي شجع الكري ليتسلل خلسة إلي البعض، فيسرق ثوان من وقته والبعض الآخر ظل يتجاذب الحديث في جو جدي تارة وتارة أخري يصبح الحديث أكثر حميمية بالنسبة للبعض، بفعل الألفة والتعارف المسبقين. وكانت الرحلة في الطائرة مقبولة في المجمل من حيث المدة(ثلاث ساعات وخمسون دقيقة)، لولا مطبات هوائية كثيرة صادفتنا في الطريق، تفاوتت من حيث القوة والإزعاج وصادف وصولنا لمطار تونس الدولي وقت صلات الصبح، فأديناها جماعة، دون ملاحقة أواستهجان من قبل مخابرات بن علي.. وبعدها كان مسجد مطار قرطاج قبلتنا وبداخله أحسسنا بروحانية المكان ولولا أن الزميلين مدو والوديعة الذين بقيا في مكان آخر من المطار لطال نومنا العميق والمستحق علي حساب توقيت الرحلة وهو ما يصطحب محاذير التأخر عن موعد إقلاع الطائرة. ورغم أن الكثير من المظاهر لا زالت هي هي في مطار قرطاج، الذي مثل ويمثل قبلة للكثيرين، فلا زالت تتزاحم داخل ممراته وطوابقه مجموعات بشرية، تشمل الآسيوي والإفريقي والعربي والأوروبي، إلا أن أحد الزملاء علق علي ملاحظتي هاته بأن الشيخ الغنوشي أكد علي أن أحوج ما تحتاجه تونس اليوم، هو: الحرية وعندها سيختار الناس الأصلح ولن يكون غير الإسلام. وفي الظهيرة واصلنا رحلتنا إلي غزة فكانت القاهرة محطتنا الثانية وهنا بدأت ملامح ووجهة الوفد تتضح، عندما استلمنا شنطا وأمتعة داخل مطار القاهرة الدولي، تحمل إسم غزة وتعكس مظلة الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني وحينما رفعنا لافتة: "قافلة شنقيط الثالثة"، التي كتب عليها إسم موريتانيا وطبعت عليها رايتها الخضراء الجميلة. ورغم أن مدة تواجدنا بمطار القاهرة طالت بعد انتهاء إجراآتنا السريعة، دون مبرر منطقي، لكن مناخ غزة والإحساس بقربها المكاني منا، خففا من تأثير ذلك وهنا بدأت تظهر روح الفريق الواحد داخل المجموعة وتجلت المسؤولية الجماعية، وانطلقت القافلة باتجاه المدينة، حيث استغرق الوصول إلي الفندق فترة زمنية يراها الخبيرون بالقاهرة قليلة وكنا نجدها غير معقولة، لكن الوصول إلي الفندق وأخذ قسط من الراحة، كانا كفيلين بنسيان رحلتنا التي استغرقت سبع عشرة ساعة. وفي اليوم الثاني كانت هناك ظروفا، حولته إلي يوم للتجوال في معالم القاهرة وأخذ قسط من الراحة، بعد رحلة متواصلة من انواكشوط إلي القاهرة، حيث زار البعض ميدان التحرير – رغم سخونة الجو السياسي يومها في القاهرة- والأزهر والسيدة زينب وبقي آخرون في الفندق، وأثناء تناول وجبة العشاء كنت والرئيس صالح ونقيب المحامين بحبيني علي مائدة واحدة انتهي بنا الحديث إلي الدخول في تفاصيل وملابسات الثامن من أغسطس 2008، فامتزجت الذكريات مع بعض التفاصيل الدراماتيكية واللحظات المثيرة، وشكلت كذلك جلستنا في"غرفة الشباب"(مكان الشاي) لحظة لا تخلوا من بعض النكات أرجعتنا إلي أجواء الوطن، بفضل الفنانة المعلومة بنت الميداح ونتيجة لدخول الشيخ الددو علينا مجتمعين في الغرفة للسلام علي أعضاء القافلة الذين التحق بهم في القاهرة. ولعل اكبر معضلة واجهتنا في الفندق، تتمثل في: عدم وجود الجزيرة ضمن قنوات الفندق، لكن إلحاح البعض علي إدارته، بضرورة إدراجها ضمن خدماته، اصطدم بقرار صارم من هذه الإدارة، علله المدير بأن الجزيرة خربت عليه دخله وبالتالي فما دام هو مديرا لهذا الفندق فلن تدمج الجزيرة ضمن القنوات المختارة للمشاهدة فيه. وفي هذا اليوم أيضا التحق بنا الشيخ الددو كما أسلفت، والذي شكل تواجده معنا وبيننا دفعا معنويا وإنسانيا شعرنا به جميعا وفيه بالتحديد ذابت جميع الحواجز بين فريق القافلة وصار الجميع في ألفة تامة ،أضافت بعدا جديدا للجماعة توج بتوزيع المهام وتنظيم للقافلة، تقرر بعده تحديد وقت مغادرة القاهرة بالرابعة والنصف صباح الجمعة، بغية الوصول إلي غزة قبل صلاة الجمعة، حيث سيؤم الشيخ الددو المصلين هناك. وإلي أن تبدأ رحلتنا من القاهرة إلي غزة، تصبحون علي خير.