كثيرا ما أتابع على الفضاءات التواصلية والتفاعلية بعض اللغط والنقاشات السيزيفية والمتعلقة بمواصفات من يحق له التعيين أو تسيير مرفق معين أو الإشراف عليه.
وذلك باستحضار ما يتمتع به فلان أو علان من كفاءات وشهادات وتجارب معتبرة، والتي يحاول أن يقنع بها الآخرين لاستحقاق المعني لذلك المنصب وليجيّر ما أمكن من الأصوات، في جانبه في محاولة إقناع الرأي العام في ما ذهب إليه.
ليذكر آخرون أن ذلك المنصب، أنسب لآخر بل هو على مقاسه، وهكذا...
لكن نسي كل هؤلاء وأولئك أن المسألة لا تتعلق بما يدور في مخيلتهم الضيقة من تخصص أو كفاءة أو شهادات عليا أو تجربة زمنية معتبرة حتى لا أقول مهنية، بقدر ما تعني أولا معيارا آخر أهم من الكل، وهو بيت القصيد، وعليه مدار تقدم أي بلد؛ ألا وهو الإرادة السياسية للإصلاح من جهة ومدى إيمان المعنيين أنفسهم بذلك الإصلاح من جهة أخرى.
فكم من مواطن تولى الإشراف على مرفق من صميم تخصصه، ولم يضف جديدا!
بل واستغل أحيانا خبرته وتخصصه وأقدميته في الجانب المادي الضيق، وتحصيل ما أمكن من حطام وقشور دنيانا الفانية، دون أن تكون له مردودية تذكر على المرفق المعني.
ليتم لاحقا تدويره أو الإحالة للإستفادة من المعاش، دون حساب أو عقاب.
فاستوى في ذلك مع غيره ممن ليسوا أهلا لتلك الوظيفة.
ليحق لنا أن نتساءل ما أهمية تلك الكفاءات التي يتصف بها مثل هؤلاء الموظفين؛ إن لم تمكنهم من إضافة شيء ذي بال على نمط تسييرهم؟
وما الذي يميزهم عن غيرهم من بني جلدتهم أثناء مباشرتهم لمهامهم إن لم تمكنهم كل تلك المعايير، من تقديم ما يقنع الجميع؟
إذ المفترض والمتوقع والحالة هذه من شخص في مثل مواقعهم المستحقة، أن يضع بصمته وميسمه الخاص و الواضح على نمطه في التسيير؛ حتى يوصل رسالة واضحة مفادها، أن ثمة شيئا قد تغير، وأن الخبرة والتخصص تصنعان الفارق؛ لنجعل من الكفاءة والتخصص- في ظل الإرادة الحقيقية للإصلاح - قيمة مضافة.
يوازي ذلك، ما يعرف في علم الدسمولوجيا ( علم التقويم)؛ بمعايير الإتقان.
لكن أن يبقى الحال على ماكان عليه من سوء تسيير، دون أن تكون هناك إرادة حقيقة للتغيير لامن طرف السلطة السياسية ولا من الموظف نفسه والتي من أهم مبادئها تفعيل "العقوبة والمكافأة"؛ فذاك ما يدعو لنسبية كل تلك الكفاءات والتخصصات،
لتبقى مسائل التعيين واعتلاء المناصب - في ظل هذا الواقع - من قبيل ما يعرف في المخيلة الشعبية، بمتتالية: "النسور و لكسور".
خلاصة الأمر أنه مالم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية للإصلاح، يصاحبها إرادة ذاتية، تهدف لما ينفع الناس ويمكث في الأرض؛ فإن أي شيء خلاف ذلك، يبقى نوعا من الهراء، الذي لا طائل من ورائه.
اللهم إن أعادت السلطات النظر في ترتيب أوراقها، والتفتت لواقعنا المعيش والمزري محاولة حلحلته، وبدأت مؤشرات بوصلة الإرادة السياسية تعطي إشارات واضحة تجاه مؤشر بدء الإصلاح، فإنه حين ذاك وحين ذاك فقط، يكون لكل حادث حديث.
ولعل أولى تلك المؤشرات - إن قدر لها أن تكون- تتمثل في القطيعة مع ممارسات الماضي وخاصة منه، أصحاب السوابق الذين لا يختلف اثنان في كونهم عبئا على المرحلة.
مما يحتم على سائسي المرحلة، سبيلا لتلمس ذلك الطريق المحفوف بالألغام، نحو الإصلاح؛ أن يتبنوا شعارا مناسبا للمرحلة ومقنعا في ذات الوقت، قبل الانتقال للمحطة الموالية.
ولعل أنسبه - في الوقت الراهن- مقطع من مقالة أحدهم ذات فترة تسيير حكم:
( "إني لأرى رؤؤسا قد أينعت وحان قطافها"...).
السلام عليكم ورحمة الله.