تشكل التنمية المحلية او الجهوية هاجسا كبيرا بالنسبة للكثير من المدن في وقتنا الحاضر وتضع اشكالات هيكلية وبنيوية حقيقية تحول أمام تحقيق أية مقاربة للتنمية البشرية المستدامة.
وإذا ما انطلقنا من تعريفنا للتنمية المحلية " بأنها عملية تنموية ترابية لجماعة ترابية collectivité territoriale تنطلق من الداخل بهدف تحسين اوضاعها بصفة شمولية، فإنه لابد من التركيز على أربعة مقومات أساسية لتحقيق ذلك الهدف وهي:
- النمو
- التقدم
- الإعتماد على الذات
- الإستدامة
ذلك أن تحسين أوضاع السكان لا يمكن أن يتم إلا من خلال تطور الثروة عبر تراكمية ونمو الإنتاج الإقتصادي الذي يفضي في نهاية المطاف إلى تحسين ظروف الحياة بصفة عامة. وهذا التحسين ينبغي أن يشمل الحاجات الأساسية من غذاء وسكن ولباس وصحة وتعليم وعمل وثقافة وترفيه ... وهذه الحاجات اصبحت تضم اليوم مجالات أخرى أساسية مثل الحرية والديمقراطية والمشاركة في الحياة العامة والمواطنة.
وعلى هذا الأساس، فإن هذه النظرة المتطورة لمفهوم التنمية تتطلب الإعتماد على الذات والإستقلالية التدريجية للجماعة الترابية التي ستضمن بدورها الإستدامة من حيث النسق والديناميكية وتحقيق النتائج المطلوبة وهو ما نسميه اليوم بالتنمية المستدامة. اذن بصفة اجمالية يمكن القول بأن التنمية المحلية تتعلق بكل القضايا الهيكلية والبنيوية ذات الصلة بتنمية الجهة او المنطقة من الداخل وجعلها تقوم بدورها التنموي على الوجه الأكمل وذلك طبعا من خلال توفير الإمكانات اللازمة للاعتماد على ذاتها، اي تمكينها من الحصول على المقومات الضرورية للاستقلالية والاستدامة.
وهذا في الحقيقية لا يمكن ان يتم الا من خلال تظافر الجهود العمومية والخصوصية عبر تدخلات معتبرة من الدولة ممثلة بسلطاتها الجهوية واشراك فاعلين محليين ( اجتماعيين و اقتصاديين وثقافيين وسياسيين) لهم صلة وثيقة بالجهة بحكم الإنتماء والهوية والإستشراف المستقبلي والمصلحة كذلك، يلتزمون ويأخذون علي عاتقهم عملية التنمية الشاملة بعيدا عن سياسة الحلول الظرفية او سياسة الهبة او الإعانة التي غالبا ما تساهم في خلق وتدعيم عقلية التوكل والإعالة والترقب والسلبية وهي عناصر مكبلة للتنمية ولا تخلق الفاعلين رغم اهميتها في زمن الكوارث وفي الأوقات الحرجة . وفي هذا الإطار، لا يسعنا إلا أن نشيد بالوثبة التضامنية غير المسبوقة التي عبر عنها ابناء مدينة تجكجة من سياسيين وفاعلين اقتصاديين وأطر ومثقفين وقادة رأي وهيئات مجتمع مدني ومغتربين في الخارج، وذلك من خلال مبادرات العون السخية التي قدمت للساكنة ضمن مواجهة التداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا المستجد وفي تعزيز قدرات البلدية على أداء مهامها في مجال ضمان نظافة المدينة وتنفيذ بعض الأنشطة المتعلقة بتنميتها. كما تجب الإشادة في السياق ذاته بالدور المحوري الذي تلعبه السلطات الجهوية الحالية في توفير الأسس الموضوعية لتطبيق المقاربة التنموية التشاركية وذلك باستحداث لجان تنموية محلية شملت جميع المجالات الحيوية، كالصحة والتعليم والثقافة والمياه والزراعة والشباب والرياضة.... الخ وفي تعاطيها الإيجابي مع المشاكل المطروحة وقد أثبتت نجاعة كبيرة في مجال التصدي لانتشار الوباء.
ومن اجل التغلب على التحديات التي تواجه تنمية المدينة، فإنه يتوجب علينا ان نأخذ بعين الإعتبار تنفيذ الإجراءات التالية:
- تنظيم ايام تفكيرية وتشاورية لتقييم اشكالية اللامركزية ودور المجالس المحلية والآليات المعتمدة الممنوحة لها يشارك فيها الجميع وتتمخض عنها اعداد خطة تنموية عامة على المديين المتوسط والبعيد،
- الشروع في إقامة مشاريع اقتصادية متنوعة ومتوازنة ومتكاملة تساهم فيها كل الأطراف (الدولة ورجال الأعمال والأهالي) وتساهم في توفير الشغل وإقامة التجهيزات الأساسية للإستثمار وخلق المرافق الإجتماعية،
- اعطاء الأولوية في التنمية للمجالات المرتبطة بحياة الساكنة مثل زراعة النخيل والخضروات والزراعة المطرية المعتمدة على السدود، وتنمية المواشي وتشجيع الإستثمار فيها. وفي هذا المنحى فإن اقامة وحدة صناعية مؤخرا لتصنيع الأعلاف والتمور في المدينة بمبادرة شخصية من أحد ابنائها تعتبر مثالا حيا وخطوة في الاتجاه الصحيح،
- خلق وتفعيل الشراكة بين الروابط التنموية في المدينة ومختلف الفاعلين الإقتصاديين من اجل خلق مشاريع مندمجة،
- إعادة الإعتبار للموروث الثقافي من خلال التركيز على ما يلي:
- بناء وتجهيز المتحف الثقافي للمدينة وتزويده بكل القطع والأدوات التقليدية والأثرية التي تعبر عن الحياة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والفنية والتاريخية للمدينة منذ تأسيسها إلى اليوم وجعله وجهة رئيسة للسياح،
- تشجيع الصناعة التقليدية كرافد أساسي من روافد التنمية السياحية بالمدينة من خلال تخصيص دار خاصة بها تعرض بها المنتوجات بصفة دائمة مع اعطاء الأولوية للصناعات ذات البعد التراثي التي تتميز بالجودة والجاذبية والتي تعبر في ذات الوقت عن خصوصية المدينة ومستوي ابداع صناعها التقليديين،
- تنظيم وتفعيل الشراكة بين ملاك المخطوطات عبر انشاء وتجهيز دار المخطوطات الجامعة ومدها بالمخطوطات النفيسة ذات القيمة العلمية النادرة،
- البدء في كتابة تاريخ المدينة من خلال جمع مختلف المصادر والمراجع العلمية الموثوقة (المكتوبة والمروية) والإبتعاد ما أمكن عن العواطف وتحريف الحقائق التي غالبًا ما تحول دون الوصول الي تحليل موضوعي للأحداث التاريخية ذي مصداقية،
- الحفاظ على الفن المعماري الأصيل الخاص بالمدينة من خلال العمل على صيانة وتثمين المدينة القديمة المصنفة تراثا علميا للإنسانية وانشاء لجان لليقظة والمراقبة للتصدي لكل ما من شأنه المساس بوضعها الحالي،
- اعادة تفعيل الدور التاريخي والحيوي للمحظرة عن طريق تأسيس المحظرة النموذجية على غرار محظرة " ادويرة "المعروفة وتزويدها بالمناهج والكتب والمصادر الضرورية لطلاب العلم الشرعي لكي تستعيد المدينة ألقها كحاضرة للعلم والعلماء،
-تشجيع التعاونيات الزراعية عبر تقديم تمويلات صغيرة مدرة للدخل مع اعطاء الأولوية للتعاونيات النسوية،
-حل مشكل المياه بتبني سياسة تسيير معقلنة للموارد المتاحة والبحث عن حلول مستديمة بالتنسيق مع الدولة والقطاع الخاص،
- النهوض بالتعليم والصحة بواسطة تفعيل الشراكة مع رابطة آباء التلاميذ والمنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الصحي وتشديد الرقابة في هذين الحقلين،
- تشكيل الأندية الشبابية الثقافية والرياضية وتفعيل دورها التنموي التطوعي عبر المساهمة في تمويل أنشطتها وترسيخ قيم ومبادئ المواطنة والتسامح والتضامن وقبول الآخر في الأوساط الشبابية،
- الاستغلال الأمثل لكل الطاقات والعمل على تغيير العقليات المعيقة وخلق افراد ومجموعات قادرة على أخذ زمام المبادرة بعيدا عن الاصطفاف السياسي وذلك من أجل تغيير الواقع المحلي للمدينة.
ونظرا لأنه لا تستقيم أية تنمية محلية او جهوية بدون صندوق تنمية فإن انشاء صندوق مدينة تجكجة للتنمية تصبح قضية ملحة ولذا يتعين توجيه جهود كل الفاعلين والخيرين من ابناء المدينة ومحبيها وأصدقائها وكل أصحاب النيات الحسنة إلي المساهمة الفاعلة في تمويل هذه الهيئة الهامة التي ستناط بها مهمات تمويل معظم النشاطات التنموية كما يجب علي الدولة ان تساهم بجزء معتبر من التمويل.
والخلاصة انه لتحقيق اهداف الإنصاف والفاعلية والتضامن التي نؤمن بها جميعا فإنه لابد ان توظف أية مقاربة تنموية حقيقية لفائدة الإنسان على مستوي الحاجيات والتطلعات والحقوق وهو السبيل الوحيد الذي يمكن ان يجنبنا الإنحرافات الكامنة وراء الإنغلاق والتقوقع في الهويات الضيقة العرقية والقبلية والجهوية المقيتة.