يمكن لموارد قطاع الصناعات الاستخراجية ان تشكل فرصة حقيقة للتنمية السريعة، خصوصا للبلدان الفقيرة، وتملك بلادنا موارد معدنية معتبرة، لذلك فمن الضروري إنارة الرأي العام الوطني حول الفرص والتحديات التي قد تنجم عن استغلال هذه الموارد.
تحديات قطاع الصناع الاستخراجية
يعتمد اقتصادنا الوطني بشكل كبير على ريع قطاع الصناعات الاستخراجية، مما يزيد من التحديات امام مسيرة التنمية، ويعود ذلك لضعف اداء القطاعات الانتاجية المستدامة ،و تتميز موارد هذا القطاع بانها نابضة بمعني الموارد مرتبطة بكمية المعدن داخل المنجم ،ولكل منجم دورة حياة قد تكون قصيرة او طويلة نسبيا ـلكنها قطعا ليست مستدامة ،وعليه فلا بد من الاخذ بالحسبان أن تلك الموارد ستتوقف عن دعم الخزينة، كما تتميز تلك الوارد بالتذبذب الشديدـ فقد يرتفع سعر الخام اليوم للسماء وقد يهوي علي الأرض غدا، وهنا لا بد من المرونة حتي لا تحدث صدمات، ومن التحديات أيضا تركز المعادن غالبا في مناطق محددة ،وهذا يطرح اشكالا متعلقا بالتوازنات الاجتماعية وحسن التعامل مع الساكنة المحلية.
تتميز الصناعات الاستخراجية بانها كثيفة رأس المال عالية التكنلوجيا، وهذا من شأنه ان يحد من قدرة الدول الفقيرة على استغلال مواردها بنفسها، كما انها تعتبر قليلة التشغيل او على الاصح الأقل تشغيلا ما بين القطاعات الأخرى، فعدد فرص العمل التي يوفرها كل مليون دولار مستثمر في هذا القطاع هي الأقل، بينما يعد قطاع الزراعة من اعلي القطاعات تشغيلا.
تستطيع الصناعات الاستخراجية الحاق الأذى بالصناعات الأخرى، فمثلا شكلت طفرة الحوض المنجمي الماضية هجرة اليد العاملة المدربة من قطاعات الزراعة والتنمية الحيوانية والصيد والانشاءات، مما ادي الي انكماش وتراجع في أداء تلك القطاعات الحيوية ـورصد البنك الدولي اعراض الداء الهولندي في بلادنا في أحد تقاريره، وهذا هو التوصيف المعهود لهذه الحالة.
تتجاذب ريوع هذا القطاع ثلاث فئات مستحِقة ،يصعب تحقيق التوازن والانصاف في ما بينها، فمن جهة سكان البلد عامة والذين يبنون آمالا جساما غالبا ما تكون طموحة اكثر من اللازم علي ريوع هذا القطاع، حيث ينتظرون منه وبفارغ الصبر توفير فرص عمل كبثيرة وتشيد لبني تحتية كبيرة وتحسن سريع في الخدمات العمومية، ومن جهة أخري الساكنة المحلية في منطقة التعدين ،والتي تعتبر ان الموارد تقع في ارضها وان لها احقية اكثر علي بقية مناطق البلد ،خصوصا انها هي من سيكتوي بنار الآثار البيئة السيئة التي ستترتب علي الاستغلال، أما الفئة الثالثة فهي الحاضر الغائب اي الأجيال القادمة فهذه الفئة ستري النور غالبا بعد ان يكون المنجم قد هٌجر وهي بالتالي تملك علينا حقا في هذه الموارد.
تتميز موارد هذا القطاع أيضا بأنها مؤجِجة للصراعات الداخلية وللمطامع الخارجية، لذلك فهي تطرح تحديات إضافية، كما انها قد تسبب في نشوء لوبيات ومجموعات فاسدة قد تلحق الضرر بالاقتصاد الوطني بشكل عام، عن طريق شراء الذمم وبقية الممارسات الضارة الأخرى.
يطرح قطاع التعدين مشاكل وتحديات بيئية واجتماعية جسيمة تبدأ من الاستكشاف وتتعاظم اثناء الاستغلال حيث تؤدي الي تلوث البيئة وتراجع التنوع الحيوي وغالبا ما لا تُعالج تلك الآثار بالشكل المطلوب.
حوكمة قطاع الصناعات الاستخراجية
اسناد حقوق التعدين
تعتبر عملية اسناد حقوق التعدين حجر الزاوية في حوكمة هذا القطاع، حيث يتم اختيار الشركة والتي يفترض ان تكون شريكا مسؤولا وموثوقا ومقتدرا، كما ستتم صياغة العقد وهنا يظهر عدم التوازن بين المتفاوضين فمن جهة الشركة تملك خبرة هائلة ومن الجهة الثانية الحكومات التي تفتقر غالبا للخبرات الضرورية، وهنا يُنصح عادة بالاستعانة ببيت خبرة محترف.
يمكن تميز نوعين من اسناد حقوق التعدين ويعرف الأول منهما بالباب المفتوح، ويستخدم عندما تكون المعلومات الجيولوجية المتوفرة ضعيفة، وتمنح الحكومات الرخص لأول مستثمر طرق الباب غالبا، أما الشكل الثاني فيكون في حالة ما إذا كانت المعلومات الجيولوجية جيدة ومُشجعة فتعمد الحكومات الي اجراء مزاد تنافسي غالبا ما يعطي القيمة الحقيقية للمنجم نتيجة تنافس الشركات ولا يخفي ان ذلك مرتبط بشفافية كامل مسار عملية الاختيار.
إدارة العوائد المتحصل عليها
ان سوء تدبير العوائد يعني ببساطة إمكانية التحول من النعمة الي النقمة، والتي تعرف في ادبيات هذا القطاع بلعنة الموارد ،وهنا يجدر التركيز النقطتين التاليتين لتجنب تلك اللعنة:
اتباع مقولة الشمس أفضل المطهرات أي اتباع الشفافية الفعلية والابتعاد عن الشفافية الشكلية كتوقيع مبادرات دون الالتزام ببنودها؛
تسيير العوائد باعتبارها موارد مؤقتة، وتجنب أخطاء من قبيل تشييد البني التحتية الغير منتجة او زيادة الرواتب بشكل مبالغ فيه، والتركيز على الاستثمار في القطاعات المستدامة؛
انصاف السكان المحليين عن طريق تحسين الخدمات والبني التحتية وتوفير فرص عمل للشباب فضلا عن تقليل التأثيرات البيئية السيئة.
ان زيادة الوعي حول هذا القطاع من شأنه ان يُخفف من وطأة المطالبات الاجتماعية الغير مبررة والتي تدفع الحكومات الي الأخطاء سالفة الذكر، كما ان هذا الوعي من شأنه ان يساهم أيضا في الضغط على صناع القرار لزيادة الشفافية وحسن تدبير اسناد الحقوق، ولا شك ان إعطاء رخصة بدون منافسة لشركة تازيازت في ظل معرفة جيدة بموارد الذهب في المنطقة مثال حي على الأخطاء التي قد تقع.
للأسف شديد فشلنا في الاستفادة من أخطاء الآخرين، لكن من غير المقبول حقا ان نكرر اليوم نفس اخطائنا السابقة إبان طفرة ازدهار الحوض المنجمي السابقة.