" علينا أن نتعلم العيش معاً كإخوة أو الفناء معاً كأغبياء " مارتن لوثر
الكثير عرف الأستاذ بيرام ولد أعبيدي كشخص ثائر على عادات وتقاليد المجتمع الموريتاني ــ المحافظ ــ حاملا راية الدفاع عن العبيد والمُسترقين وكل ما له صلة بشريحة معينة من مجتمعنا.
غير أن الظاهرة البيرامية هي ظاهرة ديناميكية تتناغم فيها ثنائيات السياسة وحب الانتقام والثأر من خصوم سابقين ، كما أن الواقع التقليدي لبعض القبائل المنصهرة من ثقافة الصحراء ، جعل هذه الظاهرة تجد بُغيتها وهدفها وهو مُحاربة سمة الاسترقاق التي أفرزها كذلك الفقر والجهل والتخلف .
بيرام ولد أعبيدي أول ظهور له بشكل سياسي كان في الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي في عهد الرئيس ــ السابق ــ مُعاوية ولد سيد أحمد الطايع ، وبعد سقوط نظامه على يد المجلس العسكري ، ظهر بيرام ولد أعبيدي في صف ــ المرشح ــ الزين ولد زيدان كحليف ومناصر سياسي ، لكن بعد نجاح مرشح الرئاسيات بشكل كبير وحصوله على منصب رئيس الوزراء لم يولي حليفه المهمة التي كان يطمح لها وحينها قام بتشكيل حركة استرقاقية تتسم بالعنف في أكثر أنشطتها .
كما أن بعض الإعلاميين ــ الإسلاميين واليساريين ــ ساعدوه إعلاميا حيث أصبحوا يلقبونه بالزعيم والحقوقي ومارتن لوثر وما إلى ذلك من الألقاب ، كما أن بعض السياسيين ساعدوا في نشر الثقافة " البيرامية " عبر تشجيعهم له وتشريعهم لبعض تصرفاته ــ الطائشة ــ كعملية حرق الكتب الفقهية مُعتبرينها كتب تقليدية وأن المُلزم حقيقة هو الكتاب والسنة كما جاء في أحد البيانات الأسبوعية .
في أكثر مؤتمرات الرجل ــ التي تتخذ من أوربا منبرا لها ــ يتكلم بلغة المحامين أحيانا وفقهاء الشريعة أحايين كثيرة وما يهمنا منها هو "كناشه" في منتدى الأمم المتحدة لحقوق الأقليات بتاريخ 07/12/2012م .
في بداية حديثه شن الزعيم الانعتاقي الهجوم على كل ما له صلة بالثقافة ومصدر القرار السلطوي [ العلماء ، الأئمة ، الأحزاب السياسية ، القضاة ، النظام ] معتبرا البرابرة ـــ حسب زعمه ـــ أنهم من يتزعم هذه الأنشطة والحقيقية أن الواقع يبرز عكس ما يظنه الأستاذ .
وحين وصل الانعتاقي إلى النقطة التي سجن بسببها قام بتبرير موقفه زاعما أن الكتب التي قام بحرقها هي تأويلات وتفسيرات تُكرس مبدأ الاسترقاق وتجسده على أرض الواقع وأن الدولة الموريتانية لا تنسجم مع روح الاسلام وتعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
أعتقد أن الدارس لتاريخ التشريع الاسلامي سيلحظ أن كتب الفقهاء عموما والمالكية منها خصوصا لم تستحدث شيئا جديدا في باب [ أحكام العبيد ] ــ والتي هي نتاج لثمرة غنائم الجهاد المفقودة حاليا ــ وإنما هي كتب تستوحي مادتها من القرآن الكريم والسنة النبوية ومصادر التشريع الأخر كالإجماع والقياس ......إلخ .
والناقم على هذه الكتب ( المالكية ) عليه أن يراجع كتب المذاهب الفقهية الأخرى ( المغني لابن قدامة الحنبلي والمجموع للنووي الشافعي وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني الحنفي والمحلى لابن حزم الظاهري ) سيجد أن الخلاف بينهم يكاد يكون معدوما إلا في فرعيات مسائل الولاء هل تكون تابعة لمن أعتق أم للمشتري ؟ .
لقد وصف الأستاذ بيرام كتب الفقهاء بأنها " كناش خزي " وهذه العبارة لا تليق برجل يزعم أنه محامي ومثقف وإنما عليه مُقارعة الحجة بالحجة وتفنيدها بأقوال علماء آخرين معتمدين في الشريعة الإسلامية مُتكلما عن الأحداث التاريخية والوقائع ، داعما رأيه بقواعد الشريعة العامة والخاصة ومقاصدها، بدل استخدام لغة القرون الوسطى التي تجاوزها مُثقفوا القرن الواحد والعشرين .
لقد اتهم الأستاذ بيرام هذه الكتب بأنها قسّمت المجتمع إلى طائفتين ( أسياد وعبيد ) وأنها حرمت المرأة من حقها في فصل الخصام ــ القضاء ــ على اعتبار جنسها البشري .
إن الشريعة الإسلامية بنظرة مقاصدية لم تهمل حق المرأة بل جعلت منها " ملكة " حيث فرضت على جميع أصناف المجتمع رعايتها وصيانتها من عبث العابثين ولهذا لا تخلو من وصي عليها وراع في جميع شؤونها لا هضما لحقها وإنما تأكيدا على حقها .
أما القضاء وتوليتها إياه مُنعت منه خشيت أن يرق طبعها لعاطفة السفاحين والمجرمين ، ثم إن طبيعتها الخَلقية جعلت منها شخصا تعتريه حالات نوبات وتغيرات سيسيولوجية تؤثر على شخصيته .
وبناء على توصيف ــ الأستاذ ــ لظاهرة الاسترقاق خلُص إلى أن الفقهاء يعاملون العبد معاملة الآلة التي تباع وتشترى ، وهذا التوصيف غير دقيق وذلك أن الفقهاء حين ينظرون إليه من جانب آدميته وإيمانه بربه وبرسله يفرضون على سيده ومالكه أحكاما منها : عدم تكليفه ما لا يطيق ، وأن يتكفل بجميع حقوقه ــ الحسية والمعنوية ــ ولهذا نجد في صدر الإسلام موالي في قمة العلم والعبادة ( الحسن البصري ، سعيد بن جبير ) أما من حيث القيمة المادية ــ التي جاءت عرضا لا قصدا ــ جاز بيعه وشراؤه مع أن الشريعة الاسلامية لم تستحدث ظاهرة الرق بل عاشته كل الأمم ولمزيد اطلاع حول الموضوع يرجى مراجعة مقالا لي بعنوان [ إشكالية العبيد وجدلية الرق عبر العصور ] نشر في موقع موريتانيد .
كان على الأستاذ بيرام أن يقول أمام منتدى الأمم أن العبيد بمفهوم "البيع والشراع والسرقة والاغتصاب " مرحلة تاريخية وُجدت في موريتانيا في فترة المستعمر الفرنسي وحينها لم يحرك ساكنا ، بدل صبّ جام غضبه على مُجتمع جعل منه حقوقيا ومحاميا، ولو كان الأمر كما يزعم لكان الآن في أسواق النخاسة .
ثم وصل الأستاذ نقطة هدفه من حرق الكتب ، وهي أن القصد الحقيقي هو لفت أنظار المجتمع الدولي ــ راعي الحقوق وكافل الحريات ـــ والإسلامي الذي تنتمي إليه موريتانيا ، بغية إقامة الحجة عليها في زعمها بأنها دولة مسلمة .
كان على الأستاذ ــ الحقوقي والمناضل ومنقذ البشرية ومحرر العبيد ــ أن يلفت أنظار العالم باختراع علمي يساهم في انقاذ البشرية جمعا من ويلات الفقر والمرض والتخلف ، بدل الإقدام على وسيلة تكرس مبدأ الجهل والتخلف وهي إحراق كتب نفعت البشرية في يوم من الأيام .
إن وسيلة حرق الكتب وإتلافها وسيلة تسبب التقزز والاشمئزاز ــ مهما كان مضمونها ــ ومحاربتها حقيقة تكون بتثقيف الشعوب من استرقاق الجهل والتخلف وإعطاء بديل كنموذج حضاري يتواءم مع ثقافة المجتمع الموريتاني المسلم .
إن بيرام ولد أعبيدي لم يتلقى تعليما خارج موريتانيا ولم تصنعه المنظمات الغربية وحدها ، بل صنعته مواقع إخبارية وصحف موريتانية جعلت منه نبي سلام ورسول أمة موريتانية لشعوب إفريقيا والعالم الثالث ، وأي ظاهرة سلبية تبناها فرد من أفراد وطننا علينا أن نعالجها بالحكمة والموعظة الحسنة ، كما علينا أن ننظر نظرة تمحيص لواقعنا الاجتماعي وأن نحارب الظواهر السلبية ــ لا حبا ولا خوفا ــ وإنما امتثالا لتعاليم ديننا القويم الذي كفل حقوق جميع الأفراد وحدّد لمرتكبها والمخالف لها عقوبات رادعة تتمثل في التعزير.
ثم إن على بيرام ولد أعبيدي أن يعلم أن البشرية يحكمها نظام وقانون وأي تجاوز له قد يحدث ردة فعل عكسية تكون نتائجها سلبية ، فالدولة الموريتانية ممثلة في وزارة عدلها وداخليتها مسئولة عن حفظ أمنها والوقوف أمام ما من شأنه زعزعتها .
ثم إن المنظمات الغربية ــ الحقوقية ـ ظلت عاجزة عن تقديم أبسط حق من حقوق الكرامة لشعوب العالم ، بل ظلت صامتة في وجه آلة القتل الإسرائيلية في الشعب الفلسطيني الأعزل ، وأطفال الجوع والفقر في الصومال ، لم يتلقوا منها أي مساعدة باستثناء " المنظمات التنصيرية " التي تساومهم على دينهم مقابل كسرة خبز !
علينا أن ندرك ما يحاك لوحدتنا الوطنية من قبل أبناء جلدتنا ــ الناطقين بألسنتنا ــ ، وأن نقف وقفة رجل واحد أمام ما يفكك روابطنا الاجتماعية والثقافية والدينية بدل لغة " النعامة " التي حين يدركها الخطر تغمس رأسها في التراب .
مما لا شك فيه أن هناك مشاكل اجتماعية تجاوزنا الكثير منها وبقيت رواسب يجب علينا الوقوف في وجهها ورد الاعتبار لأصحابها دون أن نلحق الضرر بآخرين لا ذنب لهم .