كان تشكيل لجنة وزارية عليا برئاسة الوزير الأول وتكليفها بمتابعة تفشي وباء كورونا وتوفير كافة الوسائل الضرورية لمنع انتشاره، ومحاصرته إن ظهر خطوة مهمة تبين يقظة صانع القرار الأول في البلاد، وحرصه على سلامة المواطنين وتوفير ما أمكن لإبعاد الخطر عنهم، وكان لافتا ما صدر عن الاجتماع الأول للجنة الوزارية الأربعاء: 11/03 من مخرجات بينت وبجلاء صدق التكليف ووضوح الرؤية، والمعرفة الدقيقة بكيفية السيطرة على الوباء وآليات ذلك، ثم كانت الخطوات العملية التي تم اتخاذها لتنفيذ تلك الرؤية متباينة بعضها يستحق الإشادة؛ كإغلاق المطار: 16/03، ومنع التنقل بين المدن: 29/03، وبعضها يستحق الاستغراب كترك الركاب القادمين من فرنسا يذهبون لمنازلهم، بينما تم حجز القادمين من تونس والمغرب ..، بالرغم من أن فرنسا في ذلك الوقت كانت من أكبر بؤر تفشي الوباء في العالم وهو ما أشار إليه رئيس لجنة المعدات واللوازم الوزارية في تصريحه للإذاعة الوطنية يوم الإغلاق مؤكدا أنه: سيطبق عليهم الحجز الاحتياطي الطبي الكامل!، وبعضها يستحق النقد الشديد خاصة التراخي والتساهل في مواكبة الفحوص لمخالطي الحالات المؤكدة بسرعة، وتوفيرها على عموم التراب الوطني، والتأخر في تجهيز المستشفيات بضرورات علاج حالات الإصابة خاصة في الداخل، وهو للأسف ما استمر، وتفاقم منذ تفشي الوباء: 12/05 وكانت إرهاصات ذلك التفشي: 28/04 مع ظهور الحالة المجتمعية الأولى من الوباء؛ حيث بدأ ثقل الحركة وعدم الفاعلية يطغى على الكثير من عمل وزارة الصحة، كما أثارت العمليات التي نفذتها تآزر الكثير من الشكوك وعدم التقدير لقلتها، ولعدم وصولها للعديد من الأكثر احتياجا، وهو وضع يخيم على العمليات الجارية الآن للأسف..
لا أريد الرجوع إلى ما قد تم تناوله في مقالات وتحليلات سابقة منذ أشهر، وما رافق ظهور حالات الإصابة الأولى بالوباء من محاولات جادة للفت الانتباه، وتقويم العمل والنصح بما أمكن لتلافي الأخطاء والاستفادة من التجارب.. ، وبما أننا اليوم نعيش وضعا مختلفا عما كنا فيه، فالوباء ظهرت كثير من حالاته المجتمعية في أماكن متفرقة من البلاد وفي الريف، والمستشفيات لا تزال ينقصها الكثير، وحسب الوضعية الصحية اليوم فإن المتاح لنا فقط هو؛ أن نتعايش مع الوباء بآليات التعايش المعروفة، بعد أن أهدرنا فرصة محاصرته، فإني أود أن أنبه إلى مسألتين أراهما واضحتين:
في المجال الصحي
كان لتفشي الوباء في بلادنا دوره البارز في إظهار حقيقة المحاضرات والخرجات الإعلامية لبعض القائمين على العمل الصحي وبيان القدرات الفعلية لهم، فبعد أن بينت اللجنة الوزارية الطرق الواضحة للتصدي للوباء منذ: 11/03 إلا أن حصيلة تنفيذ تلك الخطط أبان عن فشل واضح في التطبيق؛ حيث تفشى الوباء منذ أزيد من شهر وعجزت الوزارة عن التصدي له، وللأسف ها هي تتوج ذالك بعروض إعلامية تتمثل في تنقل كبار مسؤولي الوزارة ومرافقيهم من مدينة لأخرى، مما قد يسرع من وتيرة التفشي ويعممه، فما تود وزارة الصحة الوقوف عليه تعرفه، والوقت ليس وقت العروض بقدر ما هو وقت العمل، فالمعدات والأجهزة والكوادر الصحية والفنية القادرة على العمل معروفة بأسمائها وصفاتها، وقد أخذت الوزارة الوقت الكافي والمضاعف للتكوين وسد النقص إن أرادت، هذا بالرغم من الجهود الكبيرة و الواضحة والمقدرة التي قامت وتقوم بها قواتنا المسلحة وقوات أمننا على الحدود وبين المدن وداخلها، وليس آخرها المستشفيات الميدانية وفرق التعقيم التي بدأت تجوب الأسواق أسبوعيا.
في المجال الاجتماعي
كان خطاب رئيس الجمهورية أواخر مارس لافتا في وقته، وفي مضمونه؛ من وضع خطوط عريضة للسياسة العامة لمكافحة الوباء في المجال الصحي والاجتماعي، مع توفير الإمكانيات الكفيلة بتطبيقها بإنشاء صندوق خاص للتضامن الاجتماعي لمكافحة كورونا وآثاره، مما كان له أثر كبير في وقته لبث روح الوحدة الوطنية والثقة والتفهم المجتمعي للإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها، إلا أن عملية حصر الأُسر المستفيدة في نواكشوط وتوزيع المساعدات عليها شابه الكثير من النقص فالمستفيدون قلة، والكثير من المُعدمين العجزة لم يحصلوا على شيء، فما تم توزيعه قليل جدا شكلا ومضمونا؛ إذ لم تتجاوز قيمة السلة الغذائية الموزعة: 1950 أوقية ولمرة واحدة، وكانت انطلاقة المرحلة الثانية من التدخل الاجتماعي لمواجهة الوباء الذي تباشر تنفيذه هو الآخر مندوبية تآزر في: 12/06 الجاري، بداية للعملية الأكبر والأكثر أهمية في تاريخنا المعاصر، وهي: صرف مساعدات نقدية مباشرة للمحتاجين في البلاد كمنطلق لتكفل الدولة اجتماعيا وصحيا لأول مرة بالأسر الهشة في مجتمعنا، وذلك بالاستناد للسجل الاجتماعي وهو ما يفترض وصول هذه المساعدات للمستهدفين منها، تماشيا مع نجاح تجربة برنامج تكافل و برنامجي الغذاء العالمي والمفوضية السامية للاجئين الذين تشرف مندوبية تآزر على انجازهم، غير أن هذه العملية التي يرجى أن تكون رافعة الجهود الاجتماعية في البلد في ظل هذه الجائحة تغيب تفاصيلها أو تكاد عن كثير من المهتمين بالشأن العام فما بالك بعموم الناس، ولم يظهر من جهد يذكر ويلاحظ لإنارة الرأي العام بتفاصيلها بعيدا عن المبالغة، إلا استعراض لسيارات رباعية الدفع في المطار القديم إيذانا بانطلاق العملية إلى الداخل في جو يذكر بالحملات الانتخابية في عصور ظن الكثير منا أنها عبرة يستفاد منها ولا تقلد.
لا يختلف المراقبون كثيرا في أن الأشخاص الذين أسندت إليهم مسؤوليات ومهام في الفترة الحالية تُركوا يقومون بعملهم وفق ما يروه دون منازعة في سمسرة، ولا عمولة، ولا توجيه لفئة ولا لجهة -أو على الأقل هذا ما يبدوا-، وكثير منهم أصحاب خبرات سابقة يختلف البعض في تقييمها، وإن كان بعضهم يكاد الكثير يجمع على عدم توفيقه في كل ما أسند له قديما وحديثا، وبالرغم من أن الأمل لا يزال قائما والأعناق مشرئبة للإصلاح والبناء، فإن القافلة مثقلة بالمعوقات والمؤزمين وممن مردوا على قلة الانجاز وسوء التدبير في أحسن الأحوال..
وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَىٰهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ..(76) النحل
هذا وأنا على يقين بأن حسن النية قائم، وأن الرغبة في الإصلاح راسخة، وأن حب الخير للبلد والشعب متجذر، إلا أن بعضا من ائتمنوا لم يؤدوا الأمانة، وبعضا ممن كلفوا لا يحسنون الأداء، فالرجاء ألا يعطلوا حاجات توافرت وسائل تحقيقها، وحان أوان تسلمها ولا ينقصها إلا تأخيرهم..