إلا رموز الوطن..!! / أنس ولد محمد فال

altتنادى بعض الكتاب ـ في الآونة الأخيرة ـ إلى تغيير العَلَم الوطني والسلام الوطني.. وحتى الاستقلال الوطني.. ليتشجع البعض في سابقة خطيرة إلى إطلاق لفظ "الاستغلال" على اليوم الوطني المجيد..!!

وهي دعوات حرية بأن تناقش .. ليس إشاعة للموضوع أو إعلاء من شأنه ، لأنه بالنسبة لي كما للكثيرين خط أحمر غير قابل للنقاش ، وإنما من زاوية الخلفيات والأسباب عسى أن تسهم المناقشة حين إذن في فهم أسباب "الشرود" .. أو"الثورة" على الرموز..!

 

الاسقلال وليس الاستغلال

من الواضح أن الطريقة التي ظهر بها رئيس الجمهورية في الإليزي والعلاقة غير "الاستقلالية" بالمستعمر .. وظهور أول كلمات للرئيس عبر وسائل الأعلام الفرنسية (التصريح البروتوكولي الأولي في الإليزيه ثم مقابلته مع "افرانس 24"..) كلها مظاهر أثارت لدى بعض الشباب الشعور بالاستغلال بالتزامن مع الاستقلال.

وهو استغلال قديم جديد..!! غير أنه تكرس في السنوات الأخيرة ، ليس فقط بالنسبة للفرنسيين ، وإنما وصلت ثماره إلى أسوار الصين البعيدة.

لقد بات الشعور سائدا في الأوساط الشبابية بأن الثروات الموريتانية ، باتت "مستغلة" بشكل غير مسبوق ، وما تراخيص التنقيب "غير الآمن".. والصيد "الصيني" الجارف .. إلا من أبسط الشواهد..!

ومع ذلك فإن الاستقلال سيبقى مفهوما مجيدا.. يجب ألا تصل درجة اليأس للمساس به مهمى كانت المظاهر، لأنه رمز لميلاد "الدولة" من الناحية السياسية على الأقل ، ورمز أيضا لوحدة الوطن الذي إن فقد أبناؤه هذا اليوم فربما لن يجدوا ما يجمعم عليه..!!

وكان حريا بالسلطة التي تتحمل السهم الأكبر من المسؤولية عن اهتزاز مفهوم الاستقلال ومن ورائه "الدولة" في نفوس الشباب ، ألا تزيد الطين بلة فتعمد ، إلى مضايقة المعارضين المحتفلين به ، وكأن الوطن حكر عليها، فلا تقبل "للضرة" نصيبا..!

متى نرى العيد الوطني يوما جامعا .. كما يحدث في الكثير من بلاد العالم..؟!!

 

السلام الوطني.. رمز السلام

النشيد الوطني هو الآخر لم يسلم من دعوات التغيير ، التي وصلت في أحيان كثيرة حد السخرية والاستنكار..!

ولئن كانت هذه الدعوة قديمة بعض الشيء، إلا أنها وصلت إلى درجة من الحدة والصراحة لم تكن معهودة .

ولا يجد هؤلاء من المبررات أكثر من كون النشيد الوطني نشيدا دينيا يرتبط بسياق معين، ولا يتحدث أبدا عن الوطن والاعتزاز به ، وأمجاد المقاومة.. كحال أغلب الأناشيد "العربية".

والحقيقة أن ارتباطه بالدين يعد مفخرة للشعب الموريتاني المتدين، ثم إنه لا يخلو من نصائح عامة لأي مواطن موريتاني ، تحيل إلى المقاومة الثقافية التي كانت من أقوى مظاهر الرفض للمستعمر.

إن النشيد الوطني أو السلام الوطني هو رمز السلام ، والوئام ، الذي يعبر عن أصالة الشعب الموريتاني وتدينه.

وأي تغيير له أو مساس به يعد مساسا بالسلم والوئام .. الوطني ، فكيف وقد ترسخ في النفوس منذ آماد بعيدة ، وكيف وقد لامس شغاف القلب؟! .

إن صياغة نشيد جديد قد تتحول إلى معركة سياسية شرسة في حد ذاتها ، فبأي لغة سيكون..؟ وعن أي جهة أو عرق أو تيار أو فكر سيعبر..؟!

الأمر الذي قد يدخل البلاد في أزمة جديدة هي أبعد ماتكون حاجة إليها بكل تأكيد.

العَلَم .. رمز التميز

لا أحسب أن لموريتانيا من الرموز الوطنية ما يميزها أكثر من العلم الوطني ، فالناظر إلى الأعلام العربية ، سيما الخليجية منها والشامية يجد أنها متقاربة إلى حد الالتباس ..!!

وأنها تجمع ألوانا متنافرة لا ترقى من الناحية الجمالية حتى إلى منافسة علمنا الوطني.

هذا مع كامل الاحترام لها والمحبة .. لكنها الحقيقة الصارخة من وجهة نظري المتواضعة.

إن الأصالة لاتخفى في "الأخضر" المتشبع بالتاريخ، وأمجاد الغزوات الإسلامية الأولى ، ومن بعدها الفتوحات الكبرى، وألوية الجهاد الخالدة ؛ كما أن المعاصرة .. قد نستشف من وجود "الأصفر".. المرتبط في التحليل "السريالي" بالحرية، لأنه يرمز إلى الانفتاح ، لكنه يظل انفتاحا محدودا.. ويظل التاريخ الأخضر هو المسيطر.

 

إن ترسُّخ الوطنية لايزال للأسف ضعيفا في أذهان الكثير من الناشئة وحتى الفئات العمرية الأخرى ، والقليل القليل، من يحفظ النشيد الوطني ، أو يتماها مع جمال العَلَم..!

فكيف إذا تم امتهان هذا العلم أو تغييره..؟! ومن يضمن أن شعار الدولة (شرف. إخاء. عدالة) وبقية "أسوارها" القيمية لن تنهد من ورائه..؟!

إن  الرموز الوطنية – سيما المعنوية منها- هي رموز لا تقصد لذاتها ولا تتخذ "طاغوتا" يعبد ، ولكنها أيضا لا يمكن أن تهان أو يتم المساس بها ، لأنها باختصار سيماء للوطن تتجذر محبته بمحبتها، وتتعمق مكانته بتاريخها وبقائها واستقرارها ، على مر الأجيال.

فعسى أن تزول عن بلادنا غمامة اليأس ، ليزول معها غبش انتهاك الرموز..!

وما ذلك على الله بعزيز.

11. ديسمبر 2012 - 8:28

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا