تعلق مجموعة الخمس في الساحل آمالا كبيرة على رئاستها الدورية التي تسلمتها موريتانيا منذ فبراير الماضي من أجل العبور إلى أهداف المجموعة التي كان للرئيس الحالي للجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني دور كبير في تحديد خطوطها العريضة عندما كان قائدا عاما لأركان الجيوش الموريتانية.
وتأتي القمة الحالية في سياقات عديدة تجعل منها قمة الآمال الكبيرة بامتياز.
السياق الصحي الاستثنائي
تأتي القمة الحالية في وقت قطعت جائحة فيروس كورونا المستجد – كوفيد 19 أوصال المعمورة وحولت كثيرا من القمم والاجتماعات الدولية والإقليمية العادية إلى اجتماعات عن بعد بواسطة تقنيات الفيديو والاتصالات عن بعد.
وفي هذا السياق المتسم باستمرار انتشار فيروس كورونا في البلدان الخمسة، وإن بشكل متفاوت، يأتي انعقاد قمة نواكشوط، حيث تعول فيها الدول الخمس على قيادتها من أجل تحقيق تقدم جديد في ملف إلغاء ديون المنطقة ودعمها في مواجهاتها متعددة المجالات متشعبة الأبعاد.
السياق الأمني المتجدد..
وتأتي قمة الخمس في الساحل في ظل استمرار الصراع بين الجماعات المسلحة المتشكلة على أساس التطرف الديني والعرقي في عدد من هذه البلدان، وبين جيوش وسلطات وشعوب بلدانها، والذي يخلف سنويا مشردين بمئات الآلاف، وجرحى بالمئات وقتلى بالمئات وسط موجة من الهلع والقلق الدائم لا تفرق بين مقاتل ولا رضيع أعزل.
ويتمركز هذا السياق المتجدد أساسا في ثلاثة بلدان من المنطقة، هي بوركينافاسو، وفي مختلف اتجاهات حدودها، سواء مع النيجر أو ساحل العاج التي نفذ الجيشان البوركينابي والعاجي عملية ضد مسلحين على الحدود معها.
ناهيك عن الحدود مع مالي التي تعتبر المنبع الأول لهذه الجماعات، والبلد الأكثر تضررا منها، لدرجة وصلت إلى انهيار الدولة المالية في الشمال خلال 2012، ليكون ذلك آنذاك واحدا من الأسباب المقنعة التي دفعت إلى تشكيل مجموعة الساحل التي تستضيف موريتانيا قمتها الحالية.
ولا يخفى على أحد الأضرار التي تلحقها هذه الجماعات بالنيجر، وهو ما يعود إلى جماعة بوكو حرام المنبثقة عن الصراع العرقي بين شمال وجنوب نيجيريا المجاورة، فضلا عن الجماعات المسلحة في شمال مالي.
آثار تنموية..
وأثر هذا السياق الأمني المتجدد، بل والمستمر منذ سنوات بوتيرة متقطعة على تنمية هذه البلدان بشكل كبيرة، فمن جهة استولت ميزانية الدفاع والأمن على نصيب الأسد من الموازنات العامة لهذه الدول، مما سيؤثر حتما على مختلف المشاريع التنموية.
وحتى في خضم هذا الصراع، والهجمات التي لا تكاد تتفتر حتى تعود بوتيرة أسرع، في البلدان الثلاثة الملتهبة، فإن أي مشروع يراد له أن يرى النور، غالبا ما يصطدم بالأمر الواقع، فهناك عشرات الطرق والمشاريع الحيوية معطلة تماما، والسبب هجوم مباغت تتعرض له وهي على وشك الاكتمال، بل إن التعليم الذي هو عصب التنمية في أي بلد يعتبر من سابع المستحيلات في مناطق كثيرة من هذه الدول، وهو الأمر المفهوم إذا ما نظرنا إلى أهداف الجماعات المتطرفة والتي تأسس بعضها على مبدإ حرمة “المدرسة الحديثة”.
الخلطة السحرية لحل الأزمة..
وكثيرا ما عبرت موريتانيا عن مقاربات عملية لتخطي هذا الواقع المؤسف الذي حبس هذا المنكب من القارة الإفريقية عن ركب الدول النامية والسائرة في طريق النمو، وهي الاستراتيجية القائمة على الموازنة بين نشر الجاهزية العسكرية الدائمة، وبين نشر الحوار والتعريف بالقيم الإسلامية السمحة، إلى جانب الاهتمام بالأبعاد التنموية والاجتماعية للظاهرة، مما خلف موريتانيا بلا إرهاب -ولله الحمد- منذ نحو عقد من الزمن بفضل هذه الاستراتيجية متعددة الأبعاد التي هندسها رئيس موريتانيا الحالي، مهندسُ تخليق الحياة العامة وإنهاء الشد والجذب والغليان السياسي المستمر منذ سنوات.
وإلى جانب هذا البعد، أخذت موريتانيا مؤخرا، تصرح بسبب المرض الذي يعد كل هذا الانفلات الأمني والانحباس التنموي في بعض بلدان الساحل أعراضا له، وهو الأزمة الليبية والتي ظلت موريتانيا تكرر أنه لا مناص من حل أزمتها لإيقاف تدفق الأسلحة إلى المتطرفين في الساحل وصب الزيت على نيران المنطقة، لتشكل موريتانيا بمقاربتها التنموية الداخلية التي ما فتئت تسوقها، وبتشخيصها لأسباب المرض، خلطة سحرية لحل هذه الأزمات وبداية النهاية لساحل مضطرب، ونهاية البداية لساحل هادئ ومزدهر خطط له منذ ميلاد مجموعة G5 عام 2014.
تجاوب دولي وتعاط أوربي..
وشهدت هذه المقاربة تعاطيا لا بأس به من المجتمع الدولي ومن أوربا على وجه الخصوص، حيث وجهت مجموعة العشرين مؤخرا بضرورة إعفاء دول القارة الإفريقية من ديونها، ودعمها في مواجهة الآثار الصحية والاجتماعية للجائحة.
وقبل ذلك انطلقت في موريتانيا فبراير الماضي قمة لما بات يعرف بالتحالف من أجل الساحل، والذي يضم دولا أوربية وقوى دولية عظمى وهيئات إقليمية ودولية إضافة إلى مجموعة الخمس بالساحل.
وهو التحالف الذي يخطو رويدا رويدا نحو الاستجابة لمطالب الساحل الذي يسهر على حفظ الأمن العالمي والحيلولة دون انهياره، من خلال محاصرة الغلو والتطرف والتهريب، ومن المنتظر أن تسعى قمة نواكشوط إلى تسريع وتيرة هذه الخطى التي عانى الساحل كثيرا جراء بطئها وتثاقلها.