خبراء التعليم يقدمون رؤيتهم حول إصلاح قطاع التعليم / السيد ولد صمب أنجاي

الديباجة: التعليم حاجة إنسانية ملحة وضرورة مجتمعية قاهرة،وهو لبنة البناء والتنمية لما يترتب على جودته من توفير للطاقات وتنظيم للجهد واستثمار معقلن للموارد،وقد كان التعليم كذلك منذ البدايات الأولى لتاريخ الحضارة الإنسانية فركزت عليه شرائع السماء وأفكار حكماء أهل الأرض،ومع ذلك لا توجد منظومة تعليمية نموذجية يمكن استعادتها واستنساخها،فكل تجربة في التعلم إنما تستجيب لحاجات ومعطيات محددة لذلك كان الإصلاح عملا مقترنا بالتعليم تتطور من خلاله الآليات وتتم الاستجابة للحاجات تبعا لنمو المعرفة وتطور العقل،والإصلاح باعتباره تطويرا للمنظومات لا يناسبه التكرار ولا يخدمه القفز على الوقائع ولا تجاهل حقائق المجتمعات لأنه في النهاية ربط بين التربية ومنظوماتها الحضارية والثقافية،لذلك فإن أنسب طريقة لإصلاح التعليم هي تحميل أهل الاختصاص مسؤولية تصوره ومراقبة تنفيذه،أو على الأقل إشراكهم بشكل فاعل في كل ذلك،وليس من شيء أكثر ضررا بالإصلاح من إهمال رأي أهل الاختصاص من خبراء تربويين ومدرسين ومنظمات مدنية مهتمة،فمن يمكنه تقويم الإصلاحات السابقة وتقدير الحاجيات الراهنة، وإبراز الاختلالات وتقديم صورة مطابقة للواقع غير هؤلاء ممن يعيشون نعمة ومحنة التعليم في آن معا.

إننا في(مجموعة التشاور بين مفتشي وأساتذة  الفلسفة التي تضم أيضا مديري المؤسسات من أهل الاختصاص )أردنا المساهمة معكم في نقاش إصلاح التعليم الجاري الحديث عنه من خلال الإجابة عن أسئلتكم:

السؤال الأول: 1ــ صادق مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير علي مشروع قانون يتضمن مراجعة لبرامج التعليم الثانوي والمدرسة العليا للتعليم، مواكبة لإصلاح التعليم فما رأيكم في هذا القرار ؟  

الجواب: لا يمكن إطلاق أحكام مسبقة على خطة جزئية ضمن مشروع ستطلقه وزارة التعليم الأساسي وإصلاح التهذيب،وفي انتظار ذلك يمكن أن نتحدث فقط عن ما هو معلن حتى الآن.

2 ــ منذ بدايات الاستقلال وبلادنا تدور في دوامة الإصلاحات التربوية إصلاح 1967- 1973 – 1979- 1999، فما العوامل التي عرقلت هذه الإصلاحات؟ و ما الحلول التي يمكن اقتراحها اليوم؟

الجواب : يمكن القول إجمالا إن أهم العوامل التي عرقلت تلك الإصلاحات تتمثل أساسا في أنها لم تكن نابعة من تشاور وتوافق مجتمعي؛ بل مثلت رؤية أحادية للسلطة القائمة؛ كما اتسمت بالارتجالية وتغييب ذوي الاختصاص؛ ورغم كل النواقص التي رافقت إطلاقها؛ فهي لم تمنح الفرصة للاكتمال ومعرفة النتائج.

أما الحلول التي نقترحها لإنجاح أي إصلاح منشود؛ فإنها -برأينا- يجب أن تبدأ بتشاور موسع؛ تمثل فيه كل مكونات المجتمع؛ ويشرف عليه مختصون قادرون على  وضع خطة إصلاح توافقية  جدية وناجعة؛ تراعي خصوصية المجتمع الموريتاني؛ وتحولاته المرحلية؛  فتستفيد من اختلالات الماضي وتستحضر ضرورات الحاضر لتتطلع إلى المستقبل.

4 ــ إذا طلب منكم وضع تصور يسهم في إصلاح النظام التربوي الموريتاني ما ذا بإمكانكم قوله ؟

الجواب:

التصور الذي نقترحه يجب أن ينطلق من مخرجات التشاور المجتمعي الذي أشرنا إلى ضرورته في معرض جوابنا على السؤال السابق؛ ولاشك أن تلك المخرجات ستحسم قضايا جوهرية ظلت تعرقل المسار التربوي؛ كقضية لغة التدريس واختيار المناهج الملائمة لخصوصيتنا الثقافية والفكرية،وعموما لابد أن يركز هذا التصور على مرتكزات تكاد تكون محل إجماع: من أبرزها :

- ثوابت الهوية الموريتانية التي يجسدها الدين الإسلامي الحنيف؛ واحترام مكونات المجتمع ولغاته الوطنية.

- مدرس مؤهل ومكون و قادر على التوصيل والتكيف وابتكار الحلول؛ ولن يتأتى ذلك إلا من خلال إعادة الاعتبار للمدرسين و المؤطرين والمسيرين والطاقم التربوي عموما؛ ووضعهم في الظروف المادية والمعنوية التي تتناسب مع دورهم المحوري في النهوض بالعملية التعليمية ،إضافة إلى ضرورة توجيه الموارد المادية الكافية لكتلة الرواتب بدل ميزانيات التسيير؛ و العمل على سد النقص في البنية التحتية ووسائل الإيضاح؛ وتوفير الكتاب المدرسي وتوظيف وسائل الاتصال الحديثة من خلال دمج التعليم عن بعد والتكنولوجيا الرقمية في منظومتنا التعليمية الخ..

5 ــ ما هي أسباب ودواعي ضعف مستوى التعليم في بلادنا ؟

أسباب ضعف التعليم كثيرة ومتشعبة ويمكن أن نذكر منها :

- عدم توجيه الموارد المادية الضرورية للتعليم.

- ظروف المدرس والمفتش ومدير المؤسسة وبقية العاملين الميدانيين التي لاتسمح لهم بأداء وظائفهم الحاسمة في تحقيق النتائج المرجوة؛ والجميع يدرك أن التعليم تطلق على المدرس وكل الوسائل المستحدثة تكون ثانوية بالمقارنة مع عمل المدرس؛ وقد أثبتت ذلك محاظرنا بمدرسيها ومخرجاتها ،فالمدرس هو حجر الزاوية وبقية المكونات المتعلقة بالمدرسة تأتي لاحقا بعد المدرس والمؤطر والمسيير.

- غياب المنظومة التعليمية المبنية على أسس معيارية ومؤسسية.

6 ــ يشكو كثير من الخبراء من غياب التكوين المستمر فما هي سبل بنائه ونجاحه و جعله تكوينا ذا مردودية وما السبيل إلي تفعيل دور الإشراف التربوي و المتابعة؟

الجواب : إننا نرى أن التكوين والإشراف والمتابعة هي مهام منوطة بالجهات التربوية؛ أو يفترض بها أن تكون كذلك؛ لكن الواقع للأسف يحيل إلى عكس ذلك فالجهات الإدارية لدينا هي من يقود المنظومة التربوية؛ وهذا خلل يجب تصحيحه؛ فالتكوين مثلا يجب أن يكون نابعا من حاجة المستهدفين وهذه الحاجة تحددها الجهات التربوية وليس الإدارية،ولتحقيق كل ذلك لابد من تحرير التربية والتعليم بصفة عامة من سطوة السياسة والسياسيين؛ ووضع الحصان أمام  العربة وليس العكس.

7 ــ ما أبرز الاختلالات التي يعاني منها نظامنا التعليمي وما تصوركم لإصلاحها ؟

الاختلالات التي تواجة تعليمنا كما بينا سابقا:

- غياب المنظومة التربوية المتكاملة 

- ضعف المؤسسية وعدم الفاعلية في أجهزتها المختلفة (إدارة الدروس ، الرقابة العامة ،والرقابة ،والحراسة والحياة المدرسية).

- التداخل بين السياسة والتربية في كل مجالات التعليم ومراحله وأنشطته.

- عدم توجيه الموارد المادية الضرورية خاصة لكتلة الرواتب؛ في حين تصرف أموال طائلة على نفقات خاصة لا أثر لها على المردودية .

8 ــ هل تكفي مراجعة البرامج لإصلاح التعليم؟

هذا السؤال ينطلق من جزئية في الإصلاح لا يمكن أن تعوضه ولكن هذا الجزء مهم لأنه يتعلق بمحتويات الدراسة وطرقها ومستجداتها البيداغوحية والديداكتيكية.

9 ــ كلمات قليلة عن المفردات التربوية التالية؛

• البرامج : إعادة كتابتها وفق منهاج تعليمي وليس مقررا.

• طرائق التدريس: يجب أن تكون الأحدث والأكثر ملاءمة للمدرس والفصل الدراسي.

• لغة التدريس : اللغة الأم هي الأكثر نجاعة كما أثبتت ذلك تجارب الكثير من بلدان العالم..

• التقويم و الامتحانات : يجب أن تطبعها الشفافية والمعيارية .

• الكتاب المدرسي و الوسائل الديداكتيكية.: تعتبر  أولوية لابد منها للرفع من مستويات التلاميذ.

• المدرس و مشاكله : يجب رفعه إلى قمة هرم السلم المجتمعي من خلال منحه راتبا ومحفزات تضمن له مستوى من الرفاه الذي يستحقه.

- التلميذ و مشاكله: يحتاج لبناء القدرات العقلية والقناعات الفكرية والمهارات السلوكية التي من شأنها أن تجعله يحقق التقدم  والنجاح.

- البنى التحتية ؛ مهمة لكنها لن تكون عائقا في حالة تحسين وضعية المدرس.

. الحكامة : يجب أن ترتكز على المشاركة والفاعلية؛ من خلال إسناد القوس لباريها(أهل الاختصاص).

 

وشكرا لكم.

1. يوليو 2020 - 8:47

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا