ذكريات حول المدرسة الجمهورية الأولى / أحمد ولد عبد السلام

عندما التحقت بالمدرسة في بداية ستينات القرن ألماضي،  كان ذلك تحت خيمة جمهورية ينتسب إليها جميع الأطفال بدون إقصاء.  تتكفل بكتبهم و دفاترهم و جميع الأدوات المدرسية الأخرى. كما كانت توزع من خلالها  تشجيعات مالية على بعض الأسر ذات الدخل المحدود التي كانت لديها أطفال في هذه المدرسة. كانت مدرسة جمهورية متنقلة ترافق الأهالي في ترحالهم و تتكيف مع حاجاتهم كمنمين. وبالرغم من أنها كانت خيمة تقف على أعمدة و يجلس طلابها على الحصائر بدل المقاعد ،  إلا أنها كانت شامخة ، تشعرك بهيبة الدولة و سلطتها .

حولت مع رفاقي من هذه المدرسة المتنقلة بعد ثلاث سنوات لنلتحق بمدرسة المدينة التي توفر للتلاميذ، بالإضافة إلى الملتزمات الدراسية، السكن و المأكل و اللباس و الدواء.

في المدينة ، تعرفنا على أطفال قادمين من بوادي أخرى ، درسنا في نفس الفصول و سكنا في نفس البيوت و تقاسمنا نفس الوجبات و لعبنا معا و تشاجرنا و تصالحنا.....

بعد النجاح في مسابقة دخول السنة الأولى إعدادية،  حولنا إلى عاصمة الولاية ، حيث التحقنا بثانوية خارج المدينة  كانت آنذاك من أكبر الثانويات الوطنية.

و طبعا بالإضافة إلى ما تقدم ذكره من تكفل في المحطة الدراسية الثانية،  أضيف النقل في بداية السنة وعند نهايتها من  و إلى عاصمة المقاطعة التي ننحدر منها.

و كان هذا التحويل فرصة للتعرف على أبناء مقاطعات و ولايات أخرى. و كانت هذه الفترة فترة ميلاد الحركات السياسية التي لعبت دورا كبيرا في تشكيل شخصية كل واحد منا، حيث كان انتشارها داخل المؤسسة فرصة مكنتنا من المشاركة بانتظام في حلقات نقاش حول ما نتصوره لما ينبغي أن يكون عليه حاضر بلدنا و مستقبله. نختلف أحيانا و نتفق أحيانا.  لكن حبنا لوطننا و تضحيتنا من اجله  جعلنا نخرج معا في احتجاجات و مظاهرات و إضرابات، يجمعنا الغرض منها و يذيب الخلافات الايديولوجية المرتبطة بخلفيات الحركات التي ننتسب إليها.

إن أكبر عامل ساعد في اتحادنا كطلاب و أذاب الفروق الاجتماعية التي كانت موجودة بيننا هو عامل ثقافة المواطنة التي اكتسبناها من المدرسة و التأطير الذي استفدنا منه داخل الحركات السياسية.

كان كل واحد منا على يقين بأننا  قادرون، في إطار حركتنا  و بالتضامن مع الحركات الأخرى ، على إجبار الحكام على إرساء العدالة الاجتماعية  بين مكونات الشعب التي كانت تنحصر عندنا في فئتين ، الفيودالية  المتحكمة في مفاصل السلطة و الشعب الذي يعيش التهميش و الغبن.

كانت المصطلحات المرتبطة بالشرائحية و التي يتم تداولها اليوم غائبة عن معجمنا اللغوي. كنا مواطنين موريتانيين نتحدث لغة المواطنة و نتحرك من أجل مصلحة بلادنا. كانت الحسابات الضيقة غائبة عن أذهاننا .

 لكن بلادنا منذ نهاية سبعينات القرن العشرين تأثرت  بمجموعة  من  العوامل قضت تدريجيا  على المدرسة الجمهورية و غيرت نظرة بعضنا في التعامل مع  أخيه  المواطن بوصفه شريكا في بناء هذا الوطن و ليس خصما يجب أخذ الثأر منه،  و مع الوطن  ككيان حاضن للجميع  و لا بديل عنه، يحتاج إلينا جميعا و لا يتحمل إقصاء أحدنا أو غبنه.

فهل نحن اليوم في ظل التحديات الراهنة قادرون على بناء مدرسة جمهورية كالتي احتضنتنا نحن في بداية الستينات ؟

و هل هذه المدرسة الجمهورية ، إن اكتمل إنشاؤها ،  قادرة على تحقيق ما أنجزته سابقتها؟

وفق الله الجميع و حفظ موريتانيا

 

2. يوليو 2020 - 11:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا