قال لي العلامة حمدا ولد التاه حفظه الله ورعاه ذات يوم عندما كنت اشتغل معه على تأليف مشترك حول العقيدة آن المحظرة كانت تخرج شباب يطلق عليهم الفتيان كل واحد منهم موسوعة...)
ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد كتبت مقالات سابقة حول هؤلاء الرجال الافذاذ مثل: ثقافة التحصيل بين الشناقطة الأوائل و الشناقطة الجدد...وموريتانيا بين الغزو التقليدي والغزو الذاتي..واللغة العربية بين مكائد أعداءها و انهزام ابناءها....مأساة المؤلفين والمبدعين في موريتانيا!!
https://rimnow.net/w/?q=node/4505
رغم هذه المقالات و الحقائق الصادمة لم اتلق اي تجاوب مع الموضوع فما كان مني ألا آن استخرجت شهادة وفاة للمثقف الموريتاني في مقال بعنوان: رحم الله المثقف الموريتاني!!
كان هذا سابقا وقد استبشرنا بهذه الحكومة الجديدة التي على الأقل تقرأ مايكتب..وقد تستجيب لبعض مطالب هذه الشريحة المغيبة عن قصد أو غير قصد..؟!
وقد نبهتها بمقال: عباقرة موريتانيا يعيشون الاهمال!!
http://aqlame.com/taxonomy/term/10530
ومالشناقطة الجدد الا امتدادا للشناقطة الأوائل مع اختلاف وتنوع في الاختصاص حسب الزمان والمكان!!
وكدليل على عبقرية الشناقطة هذه (الرسالة المشفرة):
أرسل الشيخ أبو مدين ولد الشيخ أحمدو ولد اسليمان الرسالة التالية إلى أهله و هو طالب في المحظرة ، يطلب منهم فيها شيئا من اللباس و نصها :
سلام ممن يندر نقصه عند النحاة مضافا إلى ما أضيفت إليه ماء في القرآن.
موجبه أن تبعثوا إلينا بشيء مما أنزل الله على بني آدم والسلام.
.ــــــــــــــــــــــــــ
يندر نقصه عند النحاة يعني لفظة " أبو" ( و في أب و تالييه يندر"
ما أضيف إليه ماء في القرآن هو" مَدْيَن" (فلما ورد ماء مدين...) فيتحصل منهما " أبو مدين"
ما أنزل الله على بني آدم هو اللباس ( يا بني ءادم قد أنزلنا عليكم لباسا......).
لم يأت هذا العلم من فراغ فقد كانوا يحفظون جميع المتون التي تقع في أيديهم وازدهرت سوق المخطوطات في بلاد شنقيط التي اهتم أهلها بالكتاب واشتروه بأثمان غالية، فقد اشتري "موهوب الجليل شرح مختصر خليل" للحطاب بفرس عتيق، كما أشتري القاموس المحيط بعشرين بعيرا!! .
وانتشر نساخ المخطوطات الذين هم بمثابة دور للنشر وتنافسوا في استنساخ المخطوطات وجلب نوادرها، فكان ذلك ضمانة لبقاء هذه المخطوطات ونشرها في زمن لم تظهر فيه وسائل الطباعة الحديثة. وهذا ما يظهر جليا من خلال أشعارهم حيث تبين تلك القوافي مدى أهمية الكتاب في حياتهم، في حين غياب هذا الاهتمام في حياتنا، مع الفارق الكبير في ما توفر لنا من وسائل وما كان لديهم من إمكانيات، يقول محمد بن فتن:
لو كان يعذر باكي الكتب ذا الزمانا ** بكيت من كتب الأسلاف ما دفنا
ويقول الشيخ أحمد الجكني:
وقفت على كتب رثيت لباسها ** فقلت ودمع العين مني هامع.
مضى أهلها و استحرقت وتأيمت ** فليس لها باك ولا من يطالع.
لحا الله وارث لمال وما له ** لدى القلم من إرث فبئس الطبائع.
ووصل شغفهم بالكتاب واهتمامهم به إلى حد أن نسيان الوارث لها يعني ضياع العلم والمروءة والنسب جميعا،
يقول محمد فال بن باب:
إذا الفتى عن عرف وعن كتب ** وكان ذا ولد فاليحفظ الكتبا
إن ضاعت الكتب فالمعروف يتبعها ** وليس ذا ولد وليس ذاك أبا.
وهذا العلامة محمد اليدالي بن سعيد يخاف على كتابه الموسوم" ذهب الإبريز في كتاب الله العزيز" الذي تعب في تأليفه، يخاف من تفريط الوارث الذي لا يهتم بالكتب ولا يعرف قيمتها، يقول من قصيدة يختم بها كتابه الذهب الإبريز:
أخاف عليه وارثا لا يصونه ** ويزهد ما فيه من درر العلم
وأخشى عليه ناقدا أو محرفا له ** لم يكن في الرأس منه سوى اللحم.
وأخشى عليه مستعيرا يضيعه ** ولم يدر ما قاسيت من تعب الرسم.
إلى قوله:
فيا ليت شعري من إذا مت يعتني ** به راغبا من وارث وبني عمي.
ووصل بطائفة منهم حب الكتاب إلى عدم إعارته، يقول شاعرهم في هذا الصدد:
تمسك بالكتاب ولا تعره ** فإن إعارة المحبوب عار.
فإن الحب في الدنيا كتاب ** وهل أبصرتم حبا يعار.
ولا بأس أن نورد عينة من شعر صاحبنا التي تدل على علو كعبه في نظم القريض:
حل بالقلب حبُّ طه فتاها @ إنما الفخر كله حب طه
إن من ذاق حبه لم تصدْهُ@ ذاتُ حسن بحَليها وحلاها
حب طه يُنجي النفوس إذاما@عن قريب داعي المنون دعاها
حب طه هو المجيب إذا ما @ جاءها بعد دفنها سائلاها.
حب طه حب الإله فمن كا@ ن محبا له أحب الإلها
كيف أسلو عن حب طه وطه@ منشأُ الكائنات قطب رحاها
وهو بدر لليلها وإذا ما@@ وضح الصبح فهو شمس ضحاها.
نرجوا أن تلتفت الدولة الا هذا الكنز المهمل لتحقق وتطبع وتنشر مايواكب علوم العصر وما أكثره.
يقال رب ضارة نافعة مع جائحة كورونا وما أملته من حذر و حجر صحي فإن العالم العربي عامة وموريتانيا خاصة أصبحوا بين عشية وضحاها يقرؤون الكتب التي كانت منسية منذ سنوات !! مما سيشكل ضوءا في نهاية النفق.