الحمد لله أولا و آخرا، الحمد لله الذي قضى وقدر، الحمد لله الذي اختار ووفق شرف عظيم لا أستحقه ، أن أسجن بسبب تضامن بسيط مع قضية عادلة كقضية "المبعدين" ، هم حقا مازالوا كذلك مبعدين مشردين في وطنهم بعد ما عانوا مرارة الإبعاد و التشريد خارجه ..
كم فرحت بأن يقترن اسمي بهذه القضية ، ولو فقط ببعض جوانبها وتداعياتها و لو بالظلم تشويها ، ووسما بالإثارة والتحريض ..
أحب من الأسماء ما وافق اسمها.. أو أشبهه أو كان منه مدانيا
فهي وصمة عار في جبين الوطن، يصعب غسلها, وهي جرح غائر في نسيج وحدتنا وتماسكنا ، هي مظلمة باقية ما لم تجد من ينتصف لها أو ينصف ، هي قضية عادلة باقية ، لا يضرها من خذل وتجاهل أو حرض و شوه أو استغل وتاجر .. كنا في اجتماع عادي للمكتب التنفيذي للمنظمة الشبابية، عقد بعد المسيرة، قد استشعرنا التقصير، وعقدنا العزم على دعم هذه القضية ما وسعنا الجهد .. طبعا دعمنا لها كسياسيين يكون أساسا بالتضامن، أو بالطرح والتعاطي الإعلامي، قد يقول البعض: بإنه استغلال سياسي لقضايا إنسانية حقوقية، أقول: وما دورنا نحن السياسيين إن لم نتعاطف مع الإنسان و حقوقه وقضاياه.. لكن، من لا يريد للسياسيين أن يتحدثوا و يتعاطفوا ، من لا يريد أو يزعجه أن يشاركه أو يسبقه الآخرون في حمل هموم الناس ومشاكلهم ، عليه أن يسعى هو ليسد مسدهم ، ويقطع بذلك الطريق عليهم..
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
ولعل الله رأى تجردنا وإخلاصنا، في المنظمة الشبابية فأراد واختار ويسر و من حيث لم نكن نحتسب "إن ربي لطيف لما يشاء ، إنه هو الحكيم الخبير" ..
حزنت كثيرا للفض الوحشي وغير المبرر لذلك العرس الإنساني العاطفي السلمي المؤثر .. شيوخ ونساء و أطفال لا تكاد الأقدام تحملهم من فرط الجهد والإعياء والتعب، وجوه شاحبة , و أجساد ه ضعيفة ، نظرات حائرة، تائهة ، بسبب السير لسنوات و ليس لأيام، بحثا عن ظل وطن .. ثم هي ابتسامات، ترتسم على محيا بعض تلك الوجوه، ربما هي.. "بسمات أمل ". هذا في جانب وفي الجانب الآخر ،عند ملتقى كرفور مدريد، فرح وأهازيج وشعارات ووجوه أكثر نضارة من سابقتها ، و أعناق مشرئبة في تلهف وتحفز لذلك القادم من بعيد (إخوتي أنا هنا لا أحاكي الأديب في السجع والخيال و لكن يعلم الله أتحرى الدقة والمقاربة ).. ثم هي دموع حيرتني ، لم أدر ما هي ، أهي دموع الإعجاب والتقدير لذلك القادم، على جرأته وتقحمه وصبره في سبيل القضية ، أم هي دموع الفرح كما يقال، لكن بماذا؟ ولماذا هم يفرحون ؟!! ، أم هي.. "دمــــــــوع ألم "؟! . سرت بينهم وانسقت مع ذلك اللحن الشجي الجميل، هتفت بهتافهم، للحرية، والعدالة، و الكرامة.. رفعت شعاراتهم ، كنت ضمن قلة قليلة نحاول أن نعطي لذلك المشهد معنى الوطن ، حين غاب عنه بعض لون الوطن ..
فرحت وافتخرت في مفوضية عرفات2 حين جمعتني بهم، لكن للأسف كنت وحدي !!! لكنني حزنت وتصاغرت في نفسي حين رأيتني ، أرفض الاستجواب ولا يستطيعون، أمتنع عن التصوير ولا يقدرون ، أدرك يقينا أن هناك من يبحث عني دون هوادة أو خوف، وقد لا يجدون، دون أن يتهم بالعنصرية أو يطعن في وطنيته وانتمائه..
ثم أعود إليكم، إخوة الدرب ورفقاء النضال، لأشكركم على وقفتكم وتضامنكم ودعائكم ورسائلكم أثناء الاعتقال، ثم تبريكاتكم وزياراتكم واتصالاتكم للتهنئة بالإفراج وإطلاق السراح.. لكن لا أريد أن أشغلكم عن الأهم كما فعلوا ، وهو بالمناسبة أحد التفسيرات التي عندي لافتعال هذه الحادثة، وهو لفت الانتباه عن الانتهاكات الحقوقية وقضية المبعدين، ومنعها من أن تأخذ بعدا وطنيا وتحظى بتبن واعتراف مجتمعي، يحصنها من مماطلات وخداع الأنظمة واستغلال وتطرف بعض الداعمين ، وهذا الوعي المجتمعي يغني استراتيجيا هكذا قضايا عن إجراءات شكلية قد يتخذها هذا النظام أو ذاك ، لأنها وجدت حاضنتها الطبيعة الصلبة في المجتمع كل المجتمع .. ولعل المسار الصحيح الذي بدأ يأخذه مؤخرا ملف الرق وحقوق لحراطين، ( الميثاق الأخير ، ومسيرة الحقوق) ،التي بدأت تأخذ طريقها لتكون أزمة وطن ومجتمع، أكثر مما هي أزمة شريحة وفئة، تثير من الممانعة والمدافعة والرفض لدى الفئات الأخرى أكثر مما تفرض من التبني والتضامن، وهو المربع الذي تسعى الأنظمة الأمنية الدكتاتورية، أن تبقى فيه قضايا المظالم والحقوق حتى تضرب دائما بعض الوطن ببعض، وتخرج هي في كل مرة سالمة غانمة .. وأنا هنا وحتى نخرج من جو الافتعال الذي وضعنا فيه النظام، و تأكيدا لمقترحات ومطالبات وردت من بعض الإخوة المدونين وحتى نخرج من دائرة ردود الفعل الآنية إلى الفعل الرصين المدروس، وحتى ننتقل من دائرة التسجيل المترف للمواقف والبطولات، والجري وراء الثناء والإعجاب، إلى فعل جاد وعمل حقيقي مسئول، حتى نخرج من دائرة مجموعتنا النخبوية الضيقة التي تتعاطى صبابة كلمات من كأس خمر النضال والحرية والكرامة، تسكر وتطرب أصحابها أكثر مما تدفع و تؤثر في واقع الحياة شيئا. وتوكلا على الله القدير و انطلاقا مما سبق وأملا في الشباب الموريتاني الحر الأبي المعطاء، الذي تشرفت بمعرفة وصحبة شرائح واسعة منه ، من مختلف الاتجاهات والتوجهات، فإنني أدعو الشباب كل الشباب الموريتاني إلى التشاور الجاد حول مشروعين وطنيين هامين، أرى أنهما إن وجدا الصدق والمتابعة والجدية، كفيلان بالإسهام في حلحلة بعض من أهم القضايا والإشكالات الوطنية.
• المشروع الأول : مجلس وطني أو لجنة وطنية "للحقوق و المظالم" ، تكون بمثابة حلف فضول جديد يحظى بإجماع وتبني شبابي واسع ، لا يستهدف نظاما معينا ، ولا يجرم أو يحابي أحدا أو فئة ، وإنما هو لنصرة المظلومين أيا كانوا ، و يسعى لوضع معالم عقد مجتمعي يقوم على العدل والمساواة ..
• المشروع الثاني : جبهة شبابية لتفعيل معارضة قوية وفعالة للأحكام العسكرية الاستبدادية ، والتي يعتبر نظام محمد ولد عبد العزيز أحد أبرز تجلياتها السيئة، تستفيد وتبني على تجارب الحركات الشبابية السابقة. ومن هنا أعلن استعدادي للتنسيق والتشاور حول هذين المشروعين، خدمة للوطن وضمانا لوحدته ، فبالعدل والوحدة نؤسس ، وبدولة المؤسسات ننهض ونطور. هذه دعوتي لجميع الشباب موالاة ومعارضة للإجماع حول المشروع الأول ، ثم هي للشباب المعارض الطامح للتغيير ، للتوحد على المشروع الثاني.
والله من وراء القصد والهادي إلى سواء السبيل.