لا حديث الآن في بلادي يعلوا حديث استدعاء اللجنة البرلمانية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للتحقيق في تهم في فساد ، ورفض الرجل العسكري المثول أمامها .. في وقت تشهد فيه البلاد إحدى أكبر عمليات الاحتيال المالي بعد اختفاء أكثر من مليوني دولار من الخزينة العامة ..
يتساءل الناس الآن في الشوارع والأزقة والصحف والقنوات مالذي يحدث في موريتانيا ؟
ولماذا يستدعى الرئيس السابق وهو رفيق الرئيس الحالي طوال العشرية الماضية ؟
مالذي حدث بين الرجلين ؟
لماذا هذا الطلاق البائن الواضح أو لنقل ما ذا يحدث خلف الكواليس مما لا نعلمه ونبحث عنه .
كان كل شيء في بلاد يسير هادئا في بلادنا قبل تلك الليلة وذلك الاجتماع الذي هز موريتانيا بربوعها فلم يكن أقل المتشائمين يتوقع أن يظهر الرئيس المنتهية ولايته وبعد أشهر قليلة من تسليم السلطة وإعلانه عدم الترشح لولاية ثلاثة بل والوقوف إلى جانب رفيقه الجنرال الرئيس حاليا محمدو ولد الغزواني
فجأة وفي ساعة من ليل ظهر الرجل أحد قادة انقلاب 2005 الشهير وقائد انقلاب 2009 الأشهر الذي دبر بليل والرجل الذي حكم موريتانيا أحد عشر وخرج مكرها أو عن طيب نفس أو لحاجة في نفسه فلم يعد أحد يعرف ماذا يريد الرجل من موريتانيا
خرج الجنرال عزيز بعد ثلاثة شهور من تسليم السلطة وقد دخلت البلاد في حقبة جديدة يترأسها وزير الدفاع السابق ورفيقه غزواني.. خرج منقلبا متنكرا محاولة استعادة نفسه ورئاسته واجتمع بقادة حزب الاغلبية الذين كان يترأسهم ذات يوم مدعيا أنه له الحق في تزعم الحزب الحاكم وأن الرئيس الحالي لا حق له في رئاسة الحزب وهو ما تسبب في انقسام داخل الحزب وبلبة خارجه وصلت الشارع
فلم يعد هنالك حديث في الشارع الموريتاني إلا عن صراع الجنرالين وأصدقاء الأمس خصوم اليوم وشركاء الدبابة والانقلاب
صراع تأكد بعد خروج بيان الرئيس الحالي مؤكدا أنه المرجعية الأولى للحزب الحاكم ليرد السابق متعهدا بالتصدي للرئيس الحالي المنتخب شعبيا
وهو ما يعني أن هناك أمورا حدثت تحت الطاولة قبل مغادرة الجنرال عزيز للحكم
أولاها أن الرجل ارغم على الخروج من الحكم وقد كان في نيته الترشح لمأمورية ثالثة وتعديل الدستور وقد منعه الجنرالات المتحكمون من ذلك
أما ثاني الاحتمالات فهو صفقة بين الرجلين لم يوف أحدهما بها وهي تعني إعادة صناعة عزيز كما حدث في روسيا بين ميدفيدف وبوتين حين شغل الأخير صفة المحلل الثاني
أما ثالث الاحتمالات فهو الندم على ترك الحكم ومحاولة الانقلاب التي تبدو مطروحة خاصة بعد إقالة قائد الحرس الرئاسة في ليلة الاحتفال بالعيد الوطني وهو رجل معروف بولائه للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي صنع مملكة داخل الجيش الموريتاني طوال أحد عشر عاما ما يجعل مهمة الرئيس الحالي خطيرة لغاية اذا لم يتخلص من شبح صديقه الذي يطادره
الاحتمال الرابع وجود بعض الأطراف الدولية خاصة العربية التي تعشق الانقلابات ولا يسرها أي تداول سلمي للسلطة تدعم الرجل وقد طلبت منه الظهور في هذه الفترة تحديدا وخلط الأمور حتى تجبر الرئيس الحالي على الخضوع لها
وبين كل الاحتمالات ومدى قابليتها وواقعيتها تبدو الأمور محسومة في صالح الرئيس غزواني صاحب ثلاث شهور في الحكم
فالرجل عسكري وقائد أركان سابق ووزير دفاع ولديه عقود في الجيش
ناهيك عن وقوف أغلبية النواب معه والظهير الشعبي الكبير له
ضف إلى ذلك غضب الأطراف الدولية الفاعلة في موريتانيا وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على الرئيس السابق الجنرال عزيز وهو ما أكد الرئيس التشادي الذي صرح بأن تلك الدول منعت الجنرال عزيز من أن يكون مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا خلفا لغسان سلامة وهو ما يعني أنها ستميل إلى دعم رفيق الأمس والرئيس الحالى الجنرال غزواني
وبين هذا وذاك يبقي الشارع الموريتاني في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة من صراع الجنرالات أو صراع المحمدين الصديقين في بلاد اعتاد على الدبابة والمدافع أكثر من اعتياده على الصندوق والاقتراع