تلعب عملية التحول الرقمي " الرقمنة " دورا هاما في رسم سياسات الدول و طريقة تعاطيها مع الفرص و التحديات الطارئة، إن دفع مسيرة التحول الرقمي في بلادنا والتحكم الآمن بها يتطلب استراتيجية رقمية وطنية شاملة مع تحديد جدول للتحول الرقمي لكافة الأطراف المعنية (قطاع عام ، قطاع خاص ) من أجل تحقيق الأهداف المنشودة في الرفع من الناتج المحلي وتوفير فرص العمل وتعزيز التنمية الاقتصادية مواكبة للرؤية والاهداف الوطنية.
وقد أظهرت جائحة كورونا المستجد والإجراءات الاحترازية في أنحاء العالم من تباعد اجتماعي وبقاء في البيوت والعمل منها وغلق للحدود ، الأهمية البالغة في تسريع وتيرة التحول الرقمي في كل مجالات الخدمات لتلبية حاجيات المواطنين التعليمية والإدارية و الاقتصادية وهي فرصة لأن تبادر كافة القطاعات بتغيير الأساليب التقليدية الى أساليب وحلول رقمية، فالتحول الرقمي اصبح ضرورة وليس خيارا لاستمراريتها وبقائها.
تحديات ومخاطر
إن نجاح أي استراتيجية وطنية رقمية مرهون بتقليل المخاطر التي يمكن أن يؤدي إليها التحول الرقمي ،ولنتذكر الشلل والأضرار الجسيمة لبعض الدول وأنظمتها جراء هجمات فيروس The Blaster2003و witty worm 2004 و Zeus 2007 و Stuxnet 2010 و Cryptolocker 2013 و wannacry 2017 لطلب الفدية و ما تلى ذلك من انتشار واسع لتهديدات الأمن في الفضاء السيبـرانيSyber-Space ، فكم سيكون حجم الضرر الذي سيسببه ضعف الاستعداد والتصدي للهجمات الالكترونية في بلادنا ، الأمر الذي يدعونا إلى الاسراع في إنشاء هيئة للأمن الوطني السيبراني في إطار استراتيجية شاملة لأمن المعلومات والبيانات ،وسيكون لشريحة الشباب في بلادنا فرصة سانحة لاستيعابها وتنمية قدراتها و مهاراتها لتكون رافدا للموارد البشرية ولخلق بيئة رقمية أوسع لتلبية الطلبات على المهارات والخبرات لسوقنا الاقتصادي الرقمي المتوقع ،فحسب دراسة صادرة عن معهد بروكينغز فانه بحلول 2025 سيشكل جيل منتصف التسعينات وبداية الألفية 75% من القوى العاملة في العالم وستكون نفس النسبة تقريبا في بلادنا مما يحتم على الدولة توفير البنية التحتية الرقمية والتدريب واليقظة التكنلوجية لهذه الشريحة العريضة لمردودية أكبر و لضمان السيادة الوطنية الرقمية التي اصبحت هدفا لدول العالم بعد تسريبات ادوارد سنودن2013 وذلك من خلال إنشاء فضاءات ومراكز مهنية متخصصة في تكنلوجيا المعلومات و الاتصالات .
معوقات واكراهات
لقد تحركت بلادنا على غرار بلدان العالم نحو التحول الرقمي إنطلاقا من مؤتمر قمة مجتمع المعلومات WSIS جنيف 2003 و تونس 2005 وتبني استراتيجية وطنية للتقنيات الجديدة 2002-2006 للدخول الى مجتمع المعلومات بإشراف من كتابة دولة للتقنيات الجديدة ،وتحرير الطيف الترددي سنة 2000 لتزويد البلاد بالخدمات المتنقلة أدى الى تسجيل نقاط ايجابية في هذا المسار،إلا أن السنوات الماضية شهدت ضبابية في الرؤية وارتحل القطاع الذي هو حجر الزاوية في أي تحول رقمي خلالها بين ثلاث وزارات مما انعكس سلبا على الآمال الكبيرة المعلقة عليه كرافعة أساسية للتنمية وتجلى ذلك أيضا في ترتيب بلادنا المتأخر على المؤشرات التي تقيس تنميته وتطوره كمؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات (IDI The information and communications Technology Development Index) و مؤشر البنية التحتية للاتصالات (TII The Telecommunication Infrastructure) و مؤشر تنمية الحكومة الالكترونية (EGDI The E-Governement Development).
أضف إلى ذلك عدم استفادة بلادنا حتى الآن من الريع الرقمي Dividende Numerique. للتحول للبث الارضي الرقمي TNT ( DVB-T )على الرغم من توصية الاتحاد الدولي للاتصالات UIT-GE06 لجميع الدول الافريقية بضرورة التحول ابتداءا من17 يونيو 2015 Bande UHF و17 يونيو2020 Bande VHF والذي يعول عليه لسد الفجوة الرقمية وإمكانية إضافة خدمات متنقلة أخرى 4G وكسب رهان السيادة الوطنية في البث التلفزيوني والاذاعي ...(آخر دول الجوار دولة مالي بدأت التحول DVB-T سنة2018)،أما في بلادنا فقد كانت هنالك محاولة مع مزود صيني Start time لم تتقدم.
قدرات وآفاق
نظرا للحظة التاريخية التي تمر بها بلادنا وجو الانفتاح ومن أجل تطبيق برنامج رئيس الجمهورية الإصلاحي فعلينا أن نبادر اليوم وليس غدا الى تحديد نقاط الضعف و الاقلاع بهذا القطاع من أجل تنمية مستدامة و النهوض بموريتانيا الرقمية ،موريتانيا الرائدة في محيطها الإقليمي و الدولي.
و هنا أنوه ببعض النقاط في جزئية من هذا التحول الرقمي:
ـــ خدمات الحالة المدنية بوزارة الداخلية
ـــ برنامج خدماتي بوزارة التجهيز و النقل
وأنبه على :
ــ إعادة النظر في الربط بالكابل البحري ACE من أجل مسارات متعددة لتفادي الانقطاع الكلي للأنترنت وما ينجم عنه من اضرار جسيمة
ــ تكثيف الجهود وعدم التأخر في ايجاد نقطة انزال point d’atterrissage على غرار بعض الدول الافريقية التي تمت برمجتها في الكابل البحري 2Africaوالمتوقع تشغيله 2023-2024 لما سيتيح من دعم لنمو شبكات الجيل الرابع والجيل الخامس والنطاق العريض .
الصورة التالية تبين مساره:
ــ توسعة الربط الوطني بالالياف البصرية FO
ــ الاستفادة من ملايين الدولارات من عائدات OTT (Over-The -Top) واستعادتها من Netflix,Facebook,whatsApp,….
ــ تنظيم و استغلال أمثل للطيف الترددي Bande Wifi 2.4GHZ 5GHZ لتحسين الانترنت في الاماكن العمومية وخلق مزودين صغار.
وكلي أمل أن نشهد قريبا انطلاقة مشروع قمر صناعي موريتاني أو في إطارG5 لسد الفجوة الرقمية في بلادنا وشبه المنطقة ولما له من مردودية اقتصادية ولأن صناعة الأقمار الصناعية لم تعد حكرا على الدول الكبرى بل اتسعت دائرة المصنعين وتعددت المنصات والخيارات وانخفضت التكاليف ولمعرفتي بما تزخر به بلادنا من خبرات ومهندسين في المجال يستطيعون رفع التحدي.
سيد احمد ولد محمدي ولد ابيبو
مهندس دولة
خبير / استشاري اتصالات الكترونية