يعتبر قطاع التعليم بصفة عامة في أي بلد كشجرة النخيل تمر بثلاث مراحل أساسية، وهي أولا المرحلة الخضرية وتمثلها مرحلة التعليم الأساسي، والتي لابد لها من كل متطلبات النمو والرعاية والتربة الصالحة. والمرحلة الثانية وهي المرحلة الوسطية وتمثلها مرحلة التعليم الثانوي والتي تحتاج هي الأخرى لرعاية أوسع وتوجيه ورقابة. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي المرحلة الثمرية وهي مرحلة النضج والعطاء وتمثلها مرحلة التعليم العالي.
وبما أن مرحلة العطاء والإعداد والتكوين الواعي تبدأ من التعليم العالي، لابد من أسس وقواعد ونظم تضمن للمجتمع مخرجات قائمة على الجودة في التكوين والعدالة في التعامل ومسايرة الأنساق العالمية في المستجدات والمناهج وقياس التقدم في كل ذلك بالمقاييس والمؤشرات الدقيقة والمعهودة لدى المنظومات والمنظمات العالمية والدولية في هذا المجال.
عرفت هذه المرحلة من التعليم في بلادنا منذ الاستقلال الكثير من التطورات والإصلاحات وما تزال بحاجة إلى الكثير، رغم الإصلاحات التي شهدها القطاع خلال السنوات الخمس الأخيرة، فكلنا يتذكر كيف كانت الواسطة والمحسوبية في توزيع المنح أمرا مشاعا قبل سنوات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة. فكان ابن النافذ يمنح أو يسجل في التخصص الذي يريد، ولو لم يحصل إلا على أقل درجة في مسابقة الباكالوريا وقد يكون في الدورة الثانية مما ولد الإحباط ونفي كليا أهمية التفوق. ولتصحيح هذه الوضعية تم اعتماد تطبيق معلوماتي يضمن العدالة وتساوي الفرص بين الحاصلين حديثا على الباكالوريا، في التوجيه للتخصصات المختلفة اعتمادا على المعطيات المدرجة في كشوف درجات الباكالوريا الصادرة عن وزارة التعليم الثانوي والتكوين الفني والمهني (وزارة التهذيب الوطني سابقا). وكل ما يتطلبه البرنامج من المترشح هو الاسم والرقم الوطني للتعريف ورقم الباكالوريا إضافة إلى الخيارات التي يرغب فيها بالترتيب ويمكن الترشح من أي مكان عبر بوابة التطبيق دون الحضور البدني. وأما الذين يسعون للحصول على منح للماستر2 وللدكتوراه فلهم معايير تعتمد على تنقيط معلوم لدى الجميع ومحدد هو الأخر حيث يزود البرنامج بالمعلومات لتخرج النتائج. وللمتظلمين الحق في المراجعة (حتى تصحح أخطاء إدخال البيانات إن وجدت). وبهذه الطريقة ندرت إن لم أقل انعدمت الشكاوى والتظلمات في السنوات الأخيرة. كما تم التعامل الصارم مع المتهاونين والمضيعين للفرص التي حصلوا عليها، فتم قطع المنح عن كل من ضيع فرصته بغير عذر بين. (فكل نفس بما كسبت رهينة)، ومن أسرع به عمله لن يبطئ به نسبه.
وكان لابد من إشاعة الاستقرار الدراسي المعدوم في مؤسسات التعليم العالي، ويعتبر من الأمور التي عمل عليها القائمون على القطاع، فقد تمت تهيئة سبل الانضباط للطلاب، بالعدالة في المعاملة، والشفافية التامة في الإجراءات، والصرامة في تطبيق البرامج والمقررات الدراسية. كما تم التطبيق الصارم للوائح وعقوبات عدم الانضباط على المحالفين ودعاة الفوضى والسلوك عير السوي في حرم المؤسسات، وضبط العلاقة السامية الرابطة بين الطالب والأستاذ، وبين الطالب والمؤسسة والتي كانت وما تزال بعض الجهات السياسية تعمل على إفسادها حتى لا يخرج الطالب عن قبضتها. وقد أدرك معظم الطلاب ذلك، فكانت نتيجة هذا الفهم والوعي الطلابي ماثلة في فصول الدراسة وساحات المؤسسات.
من جهة أخرى أصبح التعبير عن الحاجة في الاكتتابات يتم بطرق منهجية تراعي الحاجة الحقيقية للمؤسسات، بعدما كان يخضع لمعايير غير واضحة بل غامضة أحيانا. الأمر الذي حاز إعجاب المتابعين من مهتمين وهيئات دولية. وقد شهد القطاع أكبر اكتتاب عرفه التعليم العالي (119 أستاذ تعليم عالي في مختلف التخصصات) وهو اليوم على مشارف اكتتاب آخر يفوق الأول عددا (201 أستاذ من التخصصات المختلف)، سيحرص فيه كما حرص في سابقه على مستوى وصحة الشهادات المقدمة. كما أصبحت التقدمات تتم على أسس علمية متعارف عليها عالميا تضمن العدالة طبقا للعطاء العلمي المقدم من طرف كل فرد. وتم سن قانون جديد يسمح لأصحاب الخبرة من الباحثين والأكاديميين الذين تخطوا سن الاكتتاب بتوقيع عقود مفتوحة مع مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن. الأمر الذي يتيح عودة العقول المهاجرة، والرفع من مستوى التعليم العالي والبحث العلمي.
من ناحية أخرى كان لتنظيم وضبط الحكامة الدور الحاسم في تسهيل السير بخطى ثابتة على الطريق الصحيح. فقد أتاحت عملية دمج الجامعتين (جامعة انواكشوط وجامعة العلوم والتكنولوجيا والطب) والمكونتين من أربع كليات مناصفة سلاسة في التعامل وسهولة في مراقبة التسيير. وكانت عملية مرجعيتها المصلحة العليا للوطن بغض النظر عن الضرر اللاحق بالأشخاص وما ترتب عنه من تذمر وعدم رضى، للمستفيدين سابقا من التشرذم الإداري والتعدد المجهري للمؤسسات. إن أرقى وأعرق الجامعات العالمية يبلغ عدد كلياتها العشرات ما بين علمية وإنسانية، إضافة للمعاهد والمدارس التكوينية والمهنية. ولم تلجأ الدول إلى تقسيم جامعاتها وتحويلها إلى مؤسسات قزمية. وفي نفس السياق تم دمج مدارس المهندسين الثلاثة في مؤسسة واحدة بوصاية مشتركة مع وزارة الدفاع الوطني. الأمر الذي جعل من هذه المؤسسة مثالا للانضباط والجدية وأصبحت حلم كل متميز من طلبة البلد وشبه المنطقة، وطلابها مضرب الأمثال في التميز والتفوق في المسابقات الدولية. ومكن كل ذلك من المساهمة في توطين الجودة والخبرة، وإثراء منظومة التعليم العالي ببعض التخصصات النادرة. كما مكن هذا الإدماج في الحالتين من توفير هائل في ميزانيات تلك المؤسسات تم توجيهه للنهوض بالمؤسسات الوليدة.
كل هذا مضافا إلي سيل النصوص والإجراءات والإنجازات المنفذة على أرض الواقع، والتي شكلت في مجملها عملا قطاعيا جماعيا بقيادة أحد أبناء القطاع العارفين بخفاياه. كما يعتبر نقلة نوعية عرفها هذا القطاع الهام، والذي يشكل القاعدة الصلبة التي ينطلق منها كل بناء يراد له البقاء في بلادنا. إن الاستثمار في تنمية العقل البشري والرفع من المستوى البنيوي لتفكير الأمم علميا واجتماعيا واقتصاديا لا يمكنه التحقق دون تعليم يقوم على أرضية صلبة ومؤسسات بتسيير سوي، وحكامة حازمة وخبرات منتقاة على قدر عال من المستوى، يجعل من تلك المؤسسات رافعات في تصاعد عصي على السقوط الحر في هوة تدني المستويات وبالتالي الوقوع في شباك التراجع للتخلف. ولا يعني هذا أن كل النواقص قد سدت وأن الغاية والمبتغى تم الوصول إليهما، لكنها خطوات ثابتة فقط تمت على جادة الصواب.
وتشكل كل هذه الإجراءات قاعدة صلبة تساعد في الإقلاع مع العهد الجديد، حيث يحظى التعليم بعناية خاصة ومتابعة من طرف فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من أجل تحقيق الأهداف الطموحة للقطاع، والمحددة في برنامج تعهداتي.
وعلى من يريد المزيد من المعلومات الدخول إلى الرابط:
http://www.mesrstic.gov.mr/wp-content/uploads/2020/04/BILAN-DES-REALISAT...