كيف يمكن لفت نظر سلطاتنا إلى ما تعانيه بيئتنا؟(٢) / التراد سيدي 

لقد كانت بلادنا تتميز بالجمال وكثرة الأودية والغابات وكانت مناطق ( السافانا) ذات السهول الممرعة مكانا مفضلا لمئات الحيوانات البرية تتكاثر فيها مثلما كانت سواحلنا البحرية ومياهنا الإقليمية مكان تكاثر الأسماك ومختلف الرخويات لقد أهل القرن العشرين و الغطاء النباتي الكثيف والحيوانات البرية المتنوعة تعج بها مختلف مناطق الوطن من تيرس حتى قابو و من انواذيبو حتى ازواد في مالي وهناك شواهد وأدلة تؤكد هذا الأمر أولا: إن وجود بقايا بيض النعام في مختلف المناطق المتصحرة في تكانت وآدرار وتيرس الزمور تؤكد قرب تاريخ وجود هذه المخلوقات الجميلة في تلك المناطق علما أن النعام استمر يقاوم حملة الإبادة التي تعرض لها طيلة التاريخ الحديث وإلى وقت قريب وخصوصا في الحوض الشرقي الذي كان آخر ما كان يوجد فيه الكثير من الأنواع التي انقرضت قبل ذلك في مختلف مناطق البلاد وقد اختفت الآن كلية وأبيد آخر تجمع لها في منطقة الظهر في مثلث النعمة باسكنو ولاته. ثانيا: حدثني المغفور له احمد بن الداه أمير آدرار سنة ١٩٧٧ ونحن في ظهر آدرار وكنا في وفد مع المغفور له والي آدرار ذلك الوقت السيد :أنغام ليروان . قال لنا وكان يشير إلى كثبان رملية أنه كانت هناك ( عغد من الشجر) أي غابات صغيرة ويشير إلى أمكنة جرداء يقول كانت هناك غابة وساقية ماء وهذا في أول القرن العشرين عندما كان هو شابا بعد وصول الاستعمار لإدرار الذي كان سنة ١٩٠٩ ثالثا: وفي سنة ١٩٧٨ كنت وزميلا لي مبعوثين من جريدة الشعب بنسختيها العربية والفرنسية لنكتب حول تأثير طريق الأمل على السكان الواقعين على الطريق وفي بتلميت اجتمعنا مع أحد المسنين من أسرة أهل الشيخ سيديا أعتقد أنه إسماعيل وحدثنا عن مجيء الاستعمار الفرنسي لبوتلميت وقال لي وزميلي عبدالله السباع أن بتلميت في ذلك الوقت كانت غابة يصعب دخولها وخروجها وهذا سنة ١٩٠٣ وقال إنك تستطيع أن تقبض على الغزال دون أن يراك لكثرة الأشجار والحشائش الكثيفة وقال إن الفرنسيين فرضوا على الناس قطع الاشجار ليستطيعوا السير راجلين بين الكثيب الذي عليه سكنهم والمكتب في المنخفض. هذه الأمثلة وأمثلة أخرى لم نشء إيرادها تدل على الوضع الذي كانت فيه الطبيعة آن ذاك لكن المستعمر من وقت وصوله والبيئة تتعرض لتدمير ممنهج لم يشأ التأثير فيه ولو شاء لاستطاع لأن شيوخ القبائل يطيعونه وهم سادة المجتمع لكنه مثل ما كان منافقا ومرائيا في موقفه من الرق الذي أعلن مناهضته ولم يعمل شيئا مؤثرا لإنهائه فعل نفس الشيء مع الطبيعة قال أنه يريد حمايتها وانشأ مصلحة لحماية الطبيعة وتحريم قتل الحيوانات والطيور ولم يعمل عملا جديا يناسب هذ الإدعاء بل إنه بتوفيره الحديد الذي سهل التوسع في صنع آلات قطع الأشجار و بتوفيره البنادق الأكثر فتكا قد هيأ الظروف لما تعرضت له البيئة بعد ذلك لقد استخدمت البنادق التي وفرها المستعمر بكل فظاعة لإبادة آلاف أنواع الحيوانات والطيور الجميلة لقد تعرض المهى والظباء والغزلان ذات الأنواع المختلفة وأنواع كثيرة كالأرانب والقطط والذئاب والدببة والنمور والسباع والنعام والدجاج البري والدرج ونوعيات الحبارى والأوز والقطى إلى حملة إبادة لاتبقي و لاتذر لوحوش هذه البلاد وطيورها لقد استمر هذا العمل المدمر عشرات السنوات دون رادع أو حام وفي نفس الوقت وبنفس النهج يجري العمل لتدمير الغطاء النباتي أشجارا متنوعة وأعشابا وحشائشا كانت تضمن توازن البيئة وتثبيت الرمال وتزويد الحيونات بحاجاتها أزيلت واختفى الكثير منها أصبحت الكثير من النباتات التي كانت معروفة منقرضة بشكل نهائي أنواع كثيرة لم تبقى توجد أبدا فوق أرض الوطن وإذا كان زمن الاستعمار لم تجرى عملية مجدية لحماية الطبيعة فإن استقلال البلاد لم يرافقه وعي بأهمية حماية الطبيعة بل ازداد العبث بالغطاء النباتي والإيغال في تقتيل الحيوانات البرية والوحوش وأنواع الطيور المستوطنة مذ مئاة السنوات في أودية وسهول هذه البلاد لقد شكل نمط الحياة الذي بدأته دولة الاستقلال نوعا من المأسات المستمرة للطبيعة من كل جوانبها فاستمر تقتيل الحيوانات والطيور بشكل يشبه الحملة المنظمة وتقطيع الأشجار بلا ضابط وبلا مراعات لما بعد الساعة المعاشة وتم تعريض المحيط البحري للتلويث برمي أطنان الملوثات من مواد غير قابلة للذوبان قبل زمن طويل ومواد شديدة السمية جرى إلقاؤها في البحر أطنان الملوثات ترمى سنويا داخل المياه في جميع الشاطئ وخصوصا مقابل انواكشوط وانواذيبو إن ماتعرضت له بيئتنا يصعب وصفه كله وهناك نوعيات من التلوث لانستطيع تقدير حجمها وهي الناجمة عن مخلفات استخراج بعض المعادن مثل معدن الذهب الذي يحتاج استخراج الزئبق شديد السمية وصعب المعالجة و توفير شروط تجنب ضرره إننا لانعرف باالضبط ماذايجري في هذا القطاع ولانعلم الترتيبات ونجاعتها وغير متأكدين من سلامة أسلوب شركات النفط والغاز وإجراءاتهم لحماية البيئة البحرية. امور كثيرة تجعلنا نطالب بوضع سياسة جديدة لوقف التدهور ثم معالجة الأمور بشكل متدرج لكن بجدية وعقلانية بحيث يأخذ العلاج الأمور من مختلف الجوانب وببرنامج وتخطيط ومتابعة تضمن نتائج تبعث الأمل بعهد جديد ...يتبع إن شاء الله 

 

 

12. يوليو 2020 - 16:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا