كلمة الإصلاح بالرغم من أنها ليست من هذا الحزب ( المنادي عليه تحسرا ) إلا أنها أولا من موريتانيا وثانيا من المسلمين ، ومعني هذا الانتساب الإضافي هو أن من كان موريتانيا فذلك يعني - حتى ولو كان أميا - فهو يدرك جيدا ما يجري في موريتانيا بدقة ، ويعني ذلك أن هذا الشعب له من العقل والإدراك الذكيين ما يجعله لو وجد رجالا يقودهم رجل واحد إلي ما فيه الخير، لعم هذا الخير الجميع ، من معيشة اجتماعية بين جميع مكوناته والخير العام من اقتصاد لا يترك بيتا يحتاج إلي جاره ، والخير العام من أمن ينسي هيئة الأمن العام في مهنتها ، ولظهر هذا كله في قليل من الزمن نتيجة عمق الوعي في هذا الشعب تلقائيا ، ولثقافته الأخلاقية التي تعمه جميعا ، والتي لا يخرقها في أي جزء من مكوناته إلا أحمق بين الحماقة لا يتعظ من تلك الحماقة ولو سقط نصفه حتى ياتيه وعد الله ، ولكن مع وجود هؤلاء الحمقاء هم أقلة ولله الحمد ، فدائما بعد تجمعهم وتمركزهم يبدأ فيهم النقص لا الزيادة تبعا لطبيعة هذا الشعب وسهولة قيادته للخير ، أما الإضافة النسبية الثانية وهي كوني مسلما ، فتلك النسبة تشعرني دائما بأن كل أحد مهما بلغ في هذه الدنيا من الارتفاع في أي اتجاه خيرا كان أو شرا غنيا أو فقيرا ، صاحب جاه أو مطرود عند الأبواب ، موظفا أو عاطلا ، إلي آخره ، كل هذا جعله الله ضيفا مسافرا في هذه الحياة ، تعمل فيه بالدوام من يوم ميلاده قوله تعالي : (( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم من قوة ضعفا وشيبة )) ، وهناك استثناء من هذه الآية يعمل فيه كذلك وهو قوله تعالي : (( ومنكم من يتوفي من قبل )) ، وهناك آية ثالثة تصرح بالنهاية إن وصل حالتها : (( ومنكم من يرد إلي أرذل العمر )) ، فملاحظة هذا الواقع المشاهد يساعد التفكير فيها معني آية أخرى : (( لكيلا تأسوا علي ما فاتكم ولا تفرحوا بما ءاتاكم )).
أما فحوي هذه المقدمة تحت هذا العنوان أعلاه فهو إيصال فكرة : أن موريتانيا من ميلادها وحتى الآن لم تجد إلا قائدا واحدا في بداية ميلادها ، ولكن خلق الله له أعوانا من جنسه ولذا ظهر نتيجة ذلك علي موريتانيا مبكرة ، وظهر كذلك أن شعب موريتانيا علي الفطرة ليس كالشعوب الأخرى إذا وجد قائدا بادئا قيادته بالأسوة الحسنة من فطرته ، إلا أن ذلك الميلاد الأول بطشت به أيادي سيئة خارجية وهي التي حرق أوار نارها الموقد من الشيطان الرجيم تلك البداية المباركة التي لا تريد علوا في الأرض ولا فسادا .
وطلبا لعدم التطويل الممل والدخول في الموضوع مباشرة فإن الحزب الحاكم لم يوافق اسمه مسماه إلا عندما كان اسمه حزب الشعب مع انفراده في الساحة التي هي مظنة الاستبداد ، ولكن الاستبداد إذا لم يكن في التربية فلا يستلل إلي جسم قلب لا يعرفه ، فمنذ أضيف اسم هذا الحزب إلي الجمهور منحرفا عن كلمة الشعب ، وهو حزب جمهور حقيقة ولكن هذا الجمهور كله كأنه مدعو لحضور مائدة ، فيسحب معه طفيليي الموائد انتظارا لما يقدمه صاحب الدعوة للمدعوين .
فكما يعلم من يعلم أن حزب الشعب كانت أي نواة له في المقاطعة تتصرف إيجابا مع مصالح الدولة في كل عارض يطرأ ، أما الآن فإن المكتب السياسي واللجنة الدائمة والاتحاديات والمناضلون ( بلا نضال ) الجميع لا يبحث إلا تأمينا لنفسه بوظيفة تدر عليه حالا أو هي في الطريق ، ويريدها من الحاصل في الحين من خيرات الدولة تلقائيا من غير مساهمة في أي إنتاج ، فهو يعمل بكل قواه الصوتية لتحصيل تلك الوظيفة لنفسه ولمن يتبعه : فهو هنا يمثل تماما وظيفة " عر " كما في المثل الشعبي : ف"عر" يخرج نباتا اسمه " تاره " من الأرض لتقوي عضلات رقبته ، وتلك يريدها لإخراج "تاره " ، فكذلك موظف الحزب سواء سميناه الحزب الجمهوري أو الاتحاد من أجل الجمهورية فشعبيته يريدها للوظيفة ، والوظيفة يريدها لشعبيته ، أما الدولة فوقوفها مجرد حية ترزق مضمون الوجود .
وبناء علي هذا الملخص الواقعي المضغوط فعلي هذا الحزب أن يعلن عن ولادة جديدة تحت قيادة هذا الرئيس الجديد التي تشير كل القرائن والدلائل أنه يصلح معبرا آمنا من الحكم العسكري إلي الحكم المدني ، مع تلبسه بأعلى رتبة عسكرية ، لكن نظرا لخطاباته عند ترشحه ، وتعييناته عند الوصول إلي الحكم ، ومراعاته في تلك التعيينات لأصحاب الأخلاق الوراثية مثل الوزير الأول ومدير ديوانه ووزراء الداخلية والصحة والشؤون الإسلامية، يوحي بأنه لا يبحث عن مجرد الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء إلي آخر الآية ، وهذا يدل علي أنه أتي للقيادة بأخلاق جديدة .
فعلي الجميع أن يدرك أن موريتانيا من يوم ديمقراطيتها الأولي العسكرية الفوضوية وهي مخطوفة من طرف رؤساء عسكريين ، زعموا أن الديمقراطية ( لبعد تكوينهم منها ) أنها تعني من طرف الشعب إعلان الولاء للقائد بلا قيد ولا شرط ، ومن طرف القائد إعطاء كل ما تملك الدولة لمن قام بذلك أحسن قيام بلا قيد ولا شرط كذلك .
أما المعارضة التي تعني في الديمقراطية الأصيلة مراقبة من هو خارج الدولة لسلوك من هم في الدولة لمطابقة ذلك السلوك لقوانين الدولة ومصالحها، ولكن رؤساؤنا العسكريون ظنوها الكتيبة الممتازة للعدو والمختارة للهجوم والاحتلال والتدمير، فقاموا هم بتدمير المعارضة قبل أن تتحرك
ولظهور فهم هذا الرئيس الجديد للمعارضة الديمقراطية الأصيلة، وأنها تعني مراقبة الاستقامة في الدولة سارع كثير من قيادة المعارضة الراديكالية إلي هذا الرئيس لمساعدته في هذا الفهم المشترك.
وعليه فعلي هذا الحزب المليء بالمثقفين الأكفاء إذا طلب منه ذلك في أي مجال وهم موجودون في جميع الناطقين باللغات الوطنية ليقوم بالعمل التقليدي الذي تفعله ربات الأسر قديما عندما يردن تجديد الحصير دون إلغاء الصالح منه ، فيقمن بجمعه كله وهزه هزا عنيفا ، فيسقط المتهالك منه ويبقي القابل لإعادة التجديد ، فيجعلنه من ضمن الحصير الجديد ، وعلي هذا الأساس فعلي هذا الحزب المعروف بالحزب الحاكم أن يجسد ذلك فيما يلي :
أولا : أن يقوم بجرد حزبه ليخرج منه جميع المهرجين بمدح الرئيس ووزيره الأول وذلك بترك نسبة كل حياة في هذه الدولة لفكر وإرشاد الأول وإشراف وتنفيذ الثاني ، وكأنه لا حياة أخري داخل الدولة .
ثانيا : يقوم الحزب حقيقة بجرد كل ما يعني الدولة من الرعاية علي جميع التراب الوطني ، وبعد ذلك الجرد العام المتكامل يقوم بتعيين لجان كل واحدة منها يسند إليها علي حدة رعاية ما يهم الدولة ، ومن هنا يبدأ العمل علي النحو التالي :
تشكل لجان موسعة وبأعلى الخبرة والنزاهة في كل وحدة من هذه الوحدات المتعلقة بالدولة :
أولا : لجنة وحدة الأمن : بمعني أنها لجنة تراقب الحياة الأمنية بأدق مفهومها حتى لا تبقي أي كلمة ولا أي تصرف من أي كان إلا وهو تحت الرقابة اليقظة والعمل فورا برؤية هذه اللجنة في الموضوع .
ثانيا: لجنة اقتصادية: وفيها المتخصصون موضوعيا وتقوم بجرد ما عند الدولة من ثروات أي ما بين حدود موريتانيا جغرافيا من أي مادة تصلح للحياة والتنمية الاقتصادية في موريتانيا، وكيف تستغل ومن يستغلها كلها أو بعضها الآن إلي آخر ذلك.
ثالثا : لجنة إصلاح التعليم : وكيف إنتاج إصلاح لا يحتاج من الآن وحتى انتهاء أجيال قادمة لتغيير جديد ، وتكون لجنة الإصلاح هذه مدركة أن اللغة الرسمية في كل دولة مثل علم الدولة ونشيدها وختمها لا يجوز تبديله بآخر مهما كانت وضعيته هو ، فمجرد معرفة لغة غيرها لا يزيل رسميتها وقدسيتها في الدولة .
رابعا : لجنة عليا للتوجيه للدولة عامة في جميع المجالات .
وباختصار إذا كان الله سيهدي الحزب الحاكم لاستلام وظيفته كما ينبغي فسوف لا يعوزه المخططون في كل مجال للأصلح لهذه الدولة وتسيير الحكم بقوة وحكمة واقتدار .
وعلي كل حال ألا فليعلم الجميع أن الشعب الموريتاني يدرك جيد أن لا حزب له الآن حاكما ، ولكن له حزب يعرف كيف يتكلم ولاسيما ساعة الانتخابات ، فالعمل بدون تركيز وتخطيط أقرب هو لعمل فاقدي العقول .
فهذا الرئيس السابق عمل كثيرا من الأشياء المادية لصالح الشعب ، فمن أنكرها فقد أنكر ما علم ضرورة بالمشاهدة ، ولكن عمل ذلك بشخصيته الفردية ولصالح أشخاص معدودين من حزبه المعد لذلك ، ولكن حان أن تنتهي تعيينات الولاء وينتهي عمل الورقة البيضاء للوزراء الأول في تعيينات الأقارب كما ساد ذلك كله في العشرية الأخيرة المثيرة للجدل ، كما حان الوقت أن يكون للرئيس أعوانا مثله في تحمل المسؤولية ، لا يتركون صغيرة ولا كبيرة تمر في الدولة إلا علي الطريق المستقيم ، فأي عمل هنا في الدنيا فعليه رقابة من لا تخفي عليه خافية كما قال تعالي : (( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلي ورسلنا لديهم يكتبون ))