هل ستدخل عمليات السرقة في دائرة التوظيف الإعلامي والسياسي؟ / محمد الأمين الفاضل

في يوم السبت الماضي (11 يوليو 2020) نشرت بعض المواقع خبرا عن تعرض منزل السيد صمبا تام رئيس حركة أفلام لاعتداء من طرف مجهولين.

وحسب الصور التي نشرها المتضرر على صفحته في الفيسبوك، فإن الاعتداء تمثل في تشقق في الواجهة الخارجية للمنزل، وفي نقطة كانت تثبت فيها التوصيلة الكهربائية القادمة من العمود المجاور للمنزل.

كل ما نُشر عن هذا الاعتداء تمثل في إسقاط أو هدم موضع صغير من الواجهة الخارجية للمنزل،.ولم يتم تسجيل أي اعتداء آخر : لا سرقة؛ لا تلفظ بعبارات عنصرية؛ لا أي شيء من هذا القبيل، ومع ذلك فقد اعتبر السيد صمبا تام بأن هذه الحادثة تدخل في إطار تهديده وتخويفه، وبأنها كانت من أجل إسكاته.

تم نشر الخبر بأسلوب يوحي بأن هناك استهدافا للسيد صمبا تام، وبعد نشر الخبر أصدر تحالف سياسي بيانا يندد بالعملية، وحذر هذا التحالف السياسي من تداعيات هذه الحادثة "على السلام والتماسك الاجتماعي في بلد يعاني من صدمات الماضي ومن تهور في الحاضر"، واعتبر التحالف بأن هذه الحادثة تدخل في إطار "تخويف أو إزعاج شخصية تعتبر رمزا في المشهد السياسي الوطني والدولي".

بعد ذلك أصدرت شخصيات سياسية ومنظمات حقوقية تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية بيانا في نفس الاتجاه، وحاولت هي الأخرى أن تعطي للاعتداء على منزل صمبا تام بعدا عنصريا، وأن تربطه بحادثة قتل الشاب عباس جالو الذي كان قد تعرض لإطلاق نار من طرف جندي  في يوم 28 مايو 2020 بقرية ويندنيك التابعة لمقاطعة أمبان.

إن هذا "الاعتداء" الذي تعرضت له الواجهة الخارجية لمنزل السيد صمبا تام، والذي لم تتجاوز آثاره فقدان كمية قليلة من الاسمنت كانت بها توصيلة للكهرباء، إن هذا "الاعتداء" يمكن تصنيفه ـ وفق مقاييس الجرائم التي تحدث يوميا في العاصمة نواكشوط ـ بأنه مجرد حادث عادي جدا، ولا يستحق أن يذكر كخبر، حتى وإن كان المنزل الذي تعرض للاعتداء منزل شخصية سياسية.

للتذكير، ففي يوم الجمعة الموافق (08 ـ 11 ـ 2019)  تعرضت سيارة ومنزل النائب محمد الأمين ولد سيدي مولود لعملية سرقة، ومن المعروف بان هذا النائب ينتقد الحكومة بشدة في تدويناته، ومن خلال مداخلاته في البرلمان، ومع ذلك فلم يقل النائب بأن حادثة الاعتداء على منزله كانت ذات طبيعة عنصرية، ولم يقل بأنها كانت عملية مدبرة لإجباره على السكوت، ولا أظن بأن مثل ذلك قد خطر بباله أصلا.

وللتذكير أيضا، ففي يوم الجمعة الموافق (12 يونيو 2020) تعرض منزل عضو المجلس الدستوري الدكتور محمد محمود الصديق لعملية سرقة، تمت خلالها سرقة هواتف من غرفة نومه وكذلك حاسوبه الشخصي الذي توجد به حصيلة سنوات من إنتاجه الفكري، ومع ذلك لم يقل قائل بأن تلك العملية كانت مدبرة، ولم يتحدث عضو المجلس الدستوري المنحدر من حزب معارض عن عملية استهداف لإجباره على السكوت.

إن التعامل الإعلامي والسياسي المبالغ فيه مع عملية الاعتداء التي تعرض لها منزل السيد صمبا تام، ليوحي بأن هناك محاولة ما لنقل هذه الحادثة من دائرة حوادث السرقة العادية التي تتكرر يوميا في العاصمة نواكشوط، إلى دائرة الأعمال المدبرة ذات الطابع العنصري, فهل ستكون هذه بداية لمرحلة جديدة ستلتحق فيها عمليات السرقة بقضايا الحالة المدنية والاعتداءات التي قد ترتكبها عناصر أمنية ضد مواطنين مدنيين؟

إن هذا التمييز الإعلامي هو الذي نتج عنه تمييز في ردود أفعال السياسيين والحقوقيين على عمليات العرقلة التي قد يتعرض لها المواطنون عند مكاتب الحالة المدنية، فإن كانت الضحية التي تعرضت للعرقلة من مكونة معينة صنفت عملية العرقلة على أنها تدخل في دائرة التمييز العنصري، وإن كانت من مكونة أخرى صنفت عملية العرقلة على أنها مجرد حدث عادي يدخل في إطار التعقيدات الروتينية للوكالة الوطنية لسجل السكان.

هناك أمثلة عديدة يمكن تقديمها في هذا المجال، ولكن المقام لا يتسع لها، ولذا فسأكتفي بمثال واحد كنتُ قد قدمته في مقال سابق.  في شهر سبتمبر من العام 2011 حرمت تعقيدات وكالة الوثائق المؤمنة شخصيتين سياسيتين تنتميان لنفس الحزب السياسي، وكلاهما شغل منصب وزير في وقت سابق، حرمتهما من أوراقهما الثبوتية . الأول حُرم هو شخصيا من أوراقه الثبوتية لأن أمه مولودة في الخارج، والثاني حُرمت زوجته لأن أمها مولودة في الخارج. الأول لم يتحدث  أحد عن حرمانه من أوراقه إذا ما استثنينا وسطه العائلي الضيق، أما الثاني والذي يتعلق الحرمان بزوجته لا به هو، فقد جُعِل من قضية حرمان زوجته من أوراقها المدنية خبرا تتداوله المواقع، وقضية رأي عام  يتفاعل معها الجميع.

هذا عن تعقيدات الحالة المدنية، أما عن التمايز في ردود الأفعال الإعلامية والسياسية على الاعتداءات الأمنية، فسأكتفي بالمثال الأكثر وضوحا، و هو المثال الذي كنتُ قد تحدثتُ عنه أيضا في مقال سابق.

 في يوم 16 مارس 2019 تسبب إطلاق نار من طرف جندي في وفاة شيخ موريتاني في انبيكت لحواش ، وفي يوم 28 مايو 2020 تسبب إطلاق نار من طرف جندي آخر في وفاة شاب موريتاني في قرية ويندنيك التابعة لمقاطعة أمبان.

بالنسبة لحادثة أمبان فقد وقعت الساعة التاسعة ليلا، في ظل حظر للتجول، وفي إطار إغلاق تام للحدود،، وكان الضحية شابا (35 سنة)، وقد جاءت الحادثة بعد مطاردة مجموعة من المهربين حسب بيان الجيش. أما حادثة انبيكت لحواش فقد وقعت في وضح النهار، وفي ظرف أمني عادي، والضحية هو شيخ طاعن في السن (80 عاما)، وكان وحيدا أعزل يبحث عن قطيع سائم حسب بيان الجيش .

في كلا الحادثتين كان الجندي والضحية من مكون واحد.

الحادثة الأولى وجدت تعاطفا سياسيا واسعا، وأصدرت أحزاب عديدة بيانات منددة، وإلى الآن يصر البعض أن يستحضر هذه الحادثة وأن يربطها بما وقع من بعدها من أحداث ذات طبيعة أمنية أو سياسية، فحتى عملية الاعتداء التي تعرض لها منزل السيد صمبا تام، حاول البعض أن يربطها بتلك الحادثة، ليوهمنا بذلك بأن هناك سلسلة من الأحداث العنصرية المستمرة، والتي لم تبدأ بحادثة أمبان ويبدو أنها لن تنتهي بالاعتداء على منزل صمبا تام. أما حادثة أنبيكت لحواش فلم يتحدث عنها ـ إطلاقا ـ أي حزب سياسي ولا أي منظمة حقوقية، وهذا يعني بأنها لم تعد تجد الآن من يتذكرها أو من يربطها بأحداث أخرى.

 

خلاصة القول هي أن هناك من يريد أن يُدخل عمليات السرقة العادية في دائرة التوظيف الإعلامي والسياسي ليلحقها بذلك بدائرة الحالة المدنية والاعتداءات الأمنية التي كانت قد دخلت ـ منذ سنوات ـ  في دائرة التوظيف السياسي والإعلامي.

حفظ الله موريتانيا...                                    

محمد الأمين ولد الفاضل

15. يوليو 2020 - 7:30

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا