المؤتمر الثانى .. فرص التغيير ودواعي الاستمرار / سيد أحمد ولد باب

altإن مؤتمر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية(تواصل) ليس محطة عابرة أو فرصة لتبديد الوقت والمال والجهد وحشد القوى والاستماع للخطابات الرنانة، بل هو فرصة للمراجعة والتأمل وتحليل الواقع والاستفادة من الماضي والتخطيط بحكمة وعمق لقادم الأيام، والعمل على تحديث الترسانة القانونية وحل الإشكالات الداخلية وتطبيق مبدأ المكافئة والعقوبة على من ولوا المسؤولية خلال السنوات الأربعة الماضية.

إن المؤتمرين – وهم يستشعرن نعمة الأخوة والرفقة الصالحة- مطالبون بالتعامل بحذر مع الواقع الراهن، وتقييم السياسات الماضية، واكتشاف أماكن الخلل، ورصد مظاهر النجاح، والاستماع لمنطق العقل بدل الركون إلى العاطفة والاغترار بما تحقق للمشروع الإسلامي داخل أو خارج البلاد. إن التحديات القائمة كبيرة، وأهمها مواجهة الظلم والوقوف مع المظلومين، ومناهضة الاستبداد ودعم ضحاياه،ومواجهة المخاطر الأمنية القائمة داخل البلد وخارج حدوده وطرح رؤي ناجعة للتعامل مع العنف وأخرى ضابطة للتعامل مع مظاهر التحلل من ربقة الدين والأخلاق؟ ولعل الأزمة المالية أبرز تحد أمنى يجب نقاشه وأخذ موقف واضح من تداعياته المستقبلية وتطوراته المتوقعة،ومآلاته الممكنة. مستشعرين خطورة العنف على المجتمع والصحوة، ومخاطر الاحتلال على أخوة العقيدة والجغرافيا فى ظل قرار أممى جائر ،يهدف أصحابه إلى الانتقام أكثر مما يسعون إلى نشر العدل والحرية بين الناس. وتظل العبودية أبرز عائق للوحدة الدخلية،وأبرز مشكل يعرقل التنمية المحلية، وأكثر مختلف عليه داخل الحزب رغم المواقف العامة الرافضة للظلم والاستعباد ، المتوارية عن الأنظار مع نقاش التفاصيل والإجراءات،وهو ما يتطلب رؤية حزبية متفق عليها، تضبط سلوك ومواقف قادة الحزب خلال المرحلة القادمة، وتضمن مواقف منصفة لضحايا الظاهرة وهم بالآلاف داخل المدن والقرى والأرياف. أما الثورة ومتطلباتها،والدفع باتجاه التغيير وحسم خيار القطيعة مع النظام المترهل ، فتلك أساسيات يجب التأكيد عليها، وتجنب أى مواقف يمكن تأويلها أو تحريفها أو تفسيرها لصالح المهادنة أو المساومة أو الحوار مع نظام أفلست كل مشاريعه وبارت كل أطروحاته، وتكاثر أعداءه تكاثر ضحاياه. إن المؤتمر الثانى مطالب أكثر من غيره بوضع الأسس الكفيلة بتفعيل المكاتب والهيئات القاعدية، وإلزام القيادة بإحداث التغيير الذي يلبى طموح الشعب وينهى حالة الاستقطاب القائمة، والعمل مع مجمل القوى المحبة للخير والديمقراطية من أجل إنهاء حكم الفرد،وفرض الخيار الديمقراطي بموريتانيا.

 

فرص التغيير إن السؤال الذي يطرحه الكثير من الناس داخل الحزب وخارجه . هل سيحدث تغيير جدى في القيادة الحالية أم لا؟ ولعل الإجابة على هذا السؤال بأيدي المؤتمرين أكثر من أي جهة أخرى، بفعل وضوح النصوص القانونية الناظمة، ورشد المشاركين في المؤتمر، والاستقالة الإلزامية لكل المكاتب والهيئات عند بداية النقاش وانتخاب لجنة المؤتمر مما يضعف التأثير وينفى الوصاية ويفتح المجال أمام كل الخيارات. ويظل بقاء ولد منصور على رأس التشكلة الحزبية أو مغادرته لها أهم شاغل للساحة السياسية،وأبرز مقياس للتغيير برأى آخرين. وبغض النظر عن إمكانية التمديد للرجل – وهو يستحق- أو استبداله بآخر وهو أمر ممكن ، يجب إلقاء نظرة على الخيارات البديلة داخل الحزب، والرموز الممكن الركون إليها في أي عملية تبادلية مقنعة، تضمن التغيير وتحفظ المؤسسة من تجاذبات ممكنة أو عجز قيادي ينسف السابق،ويقعد بالركب عن مواكبة المتغييرات، ومسايرة القاعدة لمتلهفة لفرض التغيير وبناء دولة القانون. ولعل أبرز الشخصيات المرشحة لخلافة الرجل هم:  1- محمد غلام ولد الحاج الشيخ: وهو نائب الرئيس وأحد الوجوه السياسية الإسلامية البارزة، يتمع الرجل بثقافة أصيلة وقوة في الشخصية وحضور داخلى لا لبس فيه،وقدرة على إيصال الفكرة والتأثير في الجماهير، مع علاقات خارجية وازنة وحضور أقل في الساحة المحلية بفعل حدة الخطاب وسرعة الغضب،وعائق اللغة في بعض الأحيان. 2- الشيخنان ولد بيب : وهو شخصية هادئة وعميقة، مع تجربة حركية أكسبته الكثير من المهارات اللازمة لإدارة الأحزاب والهيئات، وأخرى خدمية في بلدية دار النعيم وجمعية الحكمة أعطته تجربة تعايش مع الناس يفتقدها الكثير من قادة الحزب، واحتكاك بالسلطة،والقدرة على العمل تحت الضغط بإمكانيات شحيحة، مع علاقة معقولة بمجمل مستويات الطيف الإسلامي، رغم ضعف التأثير في الجماهير في عالم تحتاج فيه الحركات السياسية والأحزاب إلى الملهم الخطيب حاجتها إلى الإداري المحنك وصاحب الشخصية القوية والرأى الناضج. 3- الحسن ولد محمد : وهو أحد رموز الحركة الإسلامية قبل الاعتراف وبعده، عميق التفكير سريع البديهة ،مرن في التعامل مع الناس،صاحب رأيه لا تستغنى عنه المجالس،مقبول من مجمل الشركاء داخل العملية السياسية،صاحب تجربة إدارية ليست بالمبهرة كصاحبه الأول،ولا الضعيفة كمجمل عمد البلاد ومنتخبيها،يمتاز بالموضوعية في التعامل مع الناس والقدرة على التحكم في العواطف، والعمل في الظروف الصعبة وأوقات الأزمات والمحن، لم تدفعه التجربة السياسية الأخيرة إلى الواجهة لمخاطبة الناس،واستثمار مهاراته الفكرية وجلب التعاطف والتأييد،مقنع في الداخل أكثر من إقناعه للشركاء في الخارج. 4- الصوفى ولد الشيبانى : وهو إطار كفؤ وخلوق وهادئ ، صاحب تجربة نقابية مقبولة وأخرى سياسية أقل، وعمق اجتماعي وازن،منجز تحت الضغط،دائم الحضور ،لكن تجربة الرجل داخل الحزب لم تحمله إلى الناس بالقدر الذي حملت به آخرين. وعلاقته الداخلية والخارجية ما تزال محكومة بعامل التجربة والسن،لا تستغنى عنه أي إدارة ناجعة،و الطريق أمامه مفتوح نحو القيادة إذا استثمر طاقاته في مستقبل الأيام. 5- المختار لد محمد موسي : وهو دبلوماسي محتك وإداري مجرب وصاحب أفكار خلاقة، يمتلك علاقات سياسية واسعة بمجمل الطيف السياسي داخل البلاد،وأحد أبناء الحركة الإسلامية الأوائل،جمع شرف السبق والمحافظة على الركب،أبعدته سنوات العمل عن واجهة الدعوة،وشغله التخطيط الهادى عن الحضور الجماهيري الفاعل،مقنع في أوساط النخبة محدود التأثير في الجماهير،مجهول من قبل بعض الشركاء الفاعلين في الوسط الزنجى وضحايا الاسترقاق،محدود الصلة بشباب الحزب الفاعلين وقواعده الداخلية.

 

فرص البقاء ورغم كل الخيارات السابقة وتفاوت الإقناع من شخص لآخر داخل التشكلة السياسية الحالية، يظل محمد جميل ولد منصور الأقرب لمنصب الرئيس من غيره، بفعل حضور جماهيرى لافت،ومهارات متعددة، وحب زرعه في نفوس الآلاف من مناضلى الحزب وأنصاره. ورغم أن ولد منصور خدم الحركة الإسلامية من موقع المأمور أكثر مما خدمها من موقع الآمر،وأشتهر بعلمه ونضاله وتضحيته أكثر من شهرته بمنصب القائد والموجه، إلا أن احتمالات تغييره تبدو ضئيلة بفعل عامل التولية المعمول به داخل التيار الإسلامي، ومنطق الترشيح لا الترشح الذي يحكم جلسات الانتخابات، وإجماع أغلب قادة الحزب على رفض التغيير في الهرم القيادي في وقت تخوض فيه النخبة الديمقراطية حربها ضد رموز الظلم والفساد،ويتزعم فيه الحزب الحراك السياسي الراهن. كما أن الحملة التي تعرض لها الرجل في الآونة الأخيرة من طرف النظام وبعض الدوائر الاجتماعية المقربة من الرئيس، تجعل إمكانية تغييره في الوقت الراهن تخليا عنه في الوقت الخطأ، وتسليما لرجل ضحى بالكثير من أجل الإسلام والإسلاميين. ومع ذلك تظل الحاجة قائمة لضبط المكاتب وتفعيل الرقابة والدفع باتجاه حزب مؤسساتى ،واختبار الأفضل لشغل المناصب الأخرى بدل التوازن القائم على اللون والعرق والجنس،وتقليص نواب الرئيس، وادخل عناصر شبابية أكثر قدرة على التأثير والفاعلية ومواجهة الأزمات واحتواء القاعدة الجماهرية، وتحضير الساحة لاختيار بديل للرئيس خلال فترته الثانية والأخيرة.

18. ديسمبر 2012 - 16:53

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا