لم أكن أهتم بالكتابة فيما يتعلق بالشأن العام طيلة الأحكام السابقة وذلك نتيجة لما عايشته من نهج سياسات من طرف السلطة الحاكمة منافية لمصلحة الوطن جعلتني أشعر بكثير من الإحباط واليأس.
فلقد كرست الأحكام السابقة كل أشكال العقليات التي من شأنها محاربة أي بناء وتطور لمستقبل البلاد وجعلتها ثقافات يقتدى بها.
لقد انتشرت هذه العقليات وتجذرت حتى أصبح من لم يؤمن بها ويجسدها في حياته اليومية يسير في طريق الشذوذ وله عقلية تختلف عن أمر الواقع.
وأبرز الأمور التي تأسست عليها هذه العقليات تتلخص في المحاور التالية:
*انتشار وترسيخ روح القبلية والجهوية والفئوية.
* سوء التسيير ونهب الأموال العمومية
* عدم احترام المواطن والتلاعب بحقوقه
*جعل الوظائف السامية في الدولة تتوارث بين جماعات وأشخاص أو من تربطهم بهم علاقات. فإذا كنت تطمح للحصول على وظيفة سامية في الدولة يجب أن يتوفر فيك أحد الشروط التالية :
- أن تنتمي لإحدى الجماعات التي تتقلد الوظائف السامية منذ إنشاء الدولة
- أن تكون إبن وزير سابق
- أن تكون مدعوما من شخصية وازنة في السلطة
- أن تكون من جماعة الأسرة الحاكمة أو لك صلة بها أو بأحد أفرادها.
وإن لم تكن يتوفر في شخصيتك أي شرط من هذه الشروط فاعلم أنك بعيد من الوصول إلى أي وظيفة في الدولة لأنه لا أحد يذكرك مهما كانت شهاداتك وقدراتك وكفاءاتك. فما كان عليك فعله هو أن تتفرج فقط للإستماع إلى نتائج اجتماع مجلس الوزراء الذي يعقد دورته كل أسبوع وأن تعلم أن ما يصدر عنه من إجراءات خصوصية يكرس تهميشك وإقصائك ويزيد من ظاهرة الغبن، وما يصدر عنه من مشاريع المراسيم وغيرها يشرع عمليات الفساد ويمهد الطريق لأكل الأموال العمومية أكثر مما يهدف إلى عملية البناء والمصلحة العام.
▪︎ الإستهزاء بإدارات الدولة ومؤسساتها وإسناد المهام فيها لمن لا تتوفر فيهم الكفاءة ولا القدرة على أي نوع من التسيير. فالهدف الوحيد هنا يكمن في إكرام هؤلاء من أجل الحصول على المنفعة المادية لتمكينهم من تعزيز وجودهم في الطبقة الغنية أو الالتحاق بها.
كل هذه العقليات والممارسات جعلتني أفقد الأمل في أي نوع من الإصلاح، بعد ما كنت أطمح إليه في بداية حياتي المهنية، من بناء وازدهار وعيش كريم لكل فرد من شعبنا بناء على ما نمتلكه من ثروات طبيعية وعلى قلة في تعداد السكان.
وقد نتج عن هذا الوضع المأساوي الكثير من الاختلالات في صفوف المجتمع والتي من بينها :
- تفاوت الطبقات، إذ أصبح المجتمع يتكون من طبقتين فقط لا ثالثة لهما : الطبقة الغنية البرجوازية والطبقة الفقيرة. فالطبقة الوسطى التي من ضمنها عمال الوظيفة العمومية و عمال الكثير من مؤسسات الدولة لم تكن موجودة وأصبحت في خانة الفقراء نتيجة لتدني الأجور والارتفاع المتصاعد للأسعار بشكل مذهل.
- هجرة الكثير من الكفاءات إلى الخارج بحثا عن عيش يليق بكرامتهم.
- تزايد البطالة في صفوف حملة الشهادات الذين ينتمون للجماعات المقصية والمحرومة من وظائف الدولة بصفة دائمة وممنهجة.
وفي الحملة الانتخابية للرئاسيات الماضية أكد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في برنامجه الانتخابي أنه سيعمل على تطبيق العدالة، وهو ما من شأنه أن يسير بالبلاد نحو المسار الصحيح. ومن هنا أخذت أتابع الأمور، فرأيت ما يبعث في نفسي شيئا من الأمل جعلني أرغب في إبداء رأيي انطلاقا من مبدأ التشاور في المسائل العامة وما يترتب عليَ من واجبات تجاه الوطن.
ومن هذا المنطلق فإنني أتمنى أن يشعر كل واحد منا بالمسؤولية الملقاة عليه في خدمة الوطن وأن نعمل معا على تغيير هذا الوضع الذي طالما شكل عقبة كأداء في وجه نمو هذه البلاد وتطورها. فالمعاناة والتهميش والإقصاء ونهب الأموال العمومية والاستهزاء بالمواطن والتلاعب بحقوقه وازدياد الغني غنا والفقير فقرا كلها أمراض يجب استئصالها والقضاء عليها، والنهوض بالوطن إلى بر الأمان.
وانطلاقا من وعينا بإدراك القيادة الحالية لخطورة هذا الوضع فإننا نأمل منها القيام بخطوات شجاعة للقضاء عليه وأن تنتهج سياسة قائمة على العدالة واحترام المواطن وصيانة حقوقه وكرامته وتسيير الأموال العمومية بكل نزاهة وشفافية وأمانة. فآن الأوان لنعمل على تغيير العقليات ونجعلها في خدمة الوطن وآن الأوان لنعامل المواطنين بكل مساواة ونقضي على الغبن في وظائف الدولة وغيرها من أشكال الغبن التي خلقتها ورسختها الأنظمة السابقة.
رفع الله عنا البلاء ووفق قيادتنا لنهج سياسة مغايرة للنمط الذي كان قائما.