صيغة المعلم الصرفية، صيغة نبيلة، جديرة بالتقدير والاحترام، إذ هي مشتقة من فعل، أشرف وأنبل وأهدى للتي هي أقوم.
ولم لا؟ فهو أول فعل ماض، ذكر بعد الخلق في القرآن الكريم.
وارتبط فيها، هذا الفعل "علّم" من الانتقال من وضع مزر سمته الجهل والغي إلى آخر طابعه العلم والرشد، نظرا لما يكسب صاحبه من صفات حميدة يتصدرها السمو والرفعة، وما ينجر عن ذلك من سلوك قويم، وصفات محمودة تزيد صاحبها أدبا ومهابة وإجلالا،(( حين ممارسته هذا الفعل التعليمي والعمل النبيل)) والذي هو أسمى ما يمكن أن يتصف به ، أي شخص.
ليطلق عليه حينئذ "المعلم" وما أدراك ما المعلم!
ذلك الشخص الذي مورس عليه من الظلم والغبن والإزدراء، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، بعضها من الغير، والآخر من ذوي القربى ومن بني جلدته المنتسبين لقطاعه الوظيفي،
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة...
بل إن الكثير ممن ينتمون لهذا السلك النبيل؛ "سلك المعلمين"، حين يحصلون على ترقيات، في أي قطاع مهما كان، يأنفون من ذكر ماضيهم الوظيفي ويتنكرون له، ولعل مرد ذلك - وهو قناعتي - أن من يقوم بمثل هذا التصرف، أنه لم يبلُ في مهنته بلاء، يصل تلك الدرجة المطلوبة منه، حتى ليخيل إليه أن تاريخه المهني، بدأ لحظة الترقية، أو التعيين، أو لحظة الانحراف والتمرد عن رسالته الأصلية الشريفة، والتي من أجلها دخل المضمار، والذي يبدو أنه استطاع أن يجعلها قنطرة، يعبر بواسطتها إلى وظيفة أخرى، مهما علا أو قلّ شأنها، أغرم بها وبدأ بالتغني عليها، بل ويسقط من سيرته الذانيه، اي عبارة توحي بأنه مرً ذات يوم بتعليمنا الأساسي، معلِّما، كان مَعْلما.
مرة بعد مرة، يعيش المعلمون ظلما وغبنا ممنهجين، ويتجرعون مرارة، كل ذلك، وكل ما يطلبونه - وفي كل مرة- مشروع، ومتاح، متمثل في طلب درهم، لمعاش كريم، من الجهة المشغلة، تناسب ما يقدمون من خدمات، وحسنات لمعاده، أجره فيها على رب العباد.
وإن كان هو ذاته، ما ينبغي أن يكون عليه حال، كل مسلم.
ولعل أبسط امتياز، مما ينبغي أن يتاح لهم من موقعهم الوظيفي، وتنص عليه المراسيم والمقررات ذات الصله؛ حرموه ومنعوه.
سواء ما كان منها على مستوى الامتيازات المادية، أو حتى ما كان منها على مستوى الامتيازات الداخلية للترقية في وظائفهم والمتعلق بعضها بالانتقال من مستوى وظيفي إلى آخر أعلى منه، وإن كانت كلها ترقيات لاتسمن ولاتغني من جوع.
وأقصد هنا مسابقات أغلقت منذ أمد بعيد، آن للدولة أن تفتحها أمامهم، ولغيرهم من مستحقيها. هي وغيرها كثير، كان على كل نقابات التعليم الأساسي، أن تطالب به لأنها - وبكل بساطة - مطالب وجيهة ومشروعة، ولأنها من أبسط ما هو متاح.
وأقصد في هذا الصدد، تلك المسابقات الداخلية، التي يجب أن تتاح للمعلمين المساعدين للتكملة، وانتقالهم من معلم مساعد إلى معلم، وذلك بتخصيص مقاعد لهم في المسابقة التي تنظم سنويا للالتحاق بمدارس تكوين المعلمين،.
وفي ذات الوقت يجب أن تفتح أخرى لقدامى المعلمين حملة الشهادات - وما أكثرهم لله الحمد! ا ليلجوا المدرسة العليا للتعليم، كأستاذة للثانويات، أوكمكونين لمدارس تكوين المعلمين.
تلك الأخيرة التي هي في أمس الحاجة إلى مكوني مدارس تكوين المعلمين، أيام كانتا مدرستين فقط، فما بالك إن تضاعفت هذه المدارس، وصاحب ذلك توجه للمزيد من افتتاح هذه المدارس؟
ذلك ما أبانت عنه الورشة الأخيرة، التي نظمت في لعيون، لإصلاح مدارس تكوين المعلمين.
يشجع على المشاركة في هذه المسابقات - إن هي نظمت - أن اللجنة الوطنية للمسابقات، حسًنت من أهم مأخذ، كان يلاحظ عليها، ألا وهو الشفهي، حيث أن أسماء الناجحين، ستعلق لأول مرة وفق الترتيب الاستحقاقي بدل الترتيب الأبجدي المشؤوم.
ليكون الشفهي مجرد مقابلة بسيطة، إما الحرمان من النجاح لسبب وجيه، أو البقاء في مكانك الأصلي الاستحقاقي، لينجلي ذلك الغموض، وعدم الاطمئنان، اللذان كانا يجثوان على صدر كل مترشح، وتنغصان عليه حياته.
الشيء الذي طبع - للأسف - سير معظم مسابقتنا الماضية، لتنقضي، وإلى الأبد فترة سوداء غير مأسوف عليها من تاريخ مسابقاتنا، جعلت الكثير، من خيرة أبنائنا، يضربون صفحا عن المشاركة في مثل هذه المسابقات المهزلة.
كل هذا وذاك، قد يشكل بعض ترياق، لجزء من معاناة المعلم - وما أكثرها! - و التي لا تنتهي إلا لتبدأ أخرى أشد وأنكى، مما أكسبه مناعة ضد عاتيات الغبن والظلم، ولازال يقاوم ولسان حاله ينشد:
فـصرت إذا أصـابتني سـهام
تكسرت النصال على النصال.
السلام عليكم ورحمة الله.