كلمة الإصلاح أرادت في هذا المقال أن تنبه الدولة المسؤولة دنيا وأخري عن الأصلح لهذا الشعب المحتاج لتمثيل ينتفع به في الدنيا وينتفع منه صاحبه في الدنيا والآخرة .
أيها الدولة المتجسدة أولا في سيادة الرئيس والحكومة، والممثلة بالأغلبية في الجمعية الوطنية ، ويا أصحاب الأقلام المسموعة: اعلموا علم اليقين أن هذه الدولة المسماة الآن بموريتانيا هي التي كانت تلقب كلها بالشناقطة، وكان هذا اللقب يعبر عن معناها كلها، أصالة وخلقا وثقافة، وقبل ذلك كله دينا إسلاميا، هذه الدولة لا تنتهي جغرافيتها أًصلا ولا سياسيا ولا معني عند حدودها الآن المفروضة عليها، فأصل هذا الإسم ومعناه امتد مع المحيط الأطلسي حتي كاد أن يصل إلي البحر الأبيض المتوسط ( جبل طارق )، ولم يمتد بأي حياة إلي الشمال الشرقي مع الجبال والرمال إلي تيندوف.
فامتداده مع المحيط الأطلسي كان قبل الاستقلال وكان امتدادا طبيعيا بالسكني والعلاقة الروحية وعلي الجميع أن يعترف بذلك استحقاقا.
فما تصوره المرحوم المختار ولد داداه في الموضوع في هذا الامتداد كان تصورا ذكيا سواء كان فعله قبل الاستقلال وهو ثباته علي تميزنا كشناقطة لنا خصائصنا الموحدة لنا دون شمال المغرب، وسواء كان انسجامه اللا مشروط مع المملكة المغربية بعد التقسيم المعروف، فالمغرب لا يريدنا توسعا ولا عضدا له، بل هناك انسجام طبيعي يمتد من باب الصحراء شمال اكليميم بينها وأكادير إلي مقاطعة قابو الجديدة عند الحدود المالية، فالمختار يعرف أن المغرب كان خصمه، ولكن خصما صديقا قلبا وقالبا، ولاسيما مع الساكنة في جنوب المغرب، سواء منها من رفع علمه وعلق صورة ملكه، ومن رفع علمه الخاص به وعلق صورة رئيسه الخاص به، فهو يعرف حدود علاقة شمال الشناقطة بجنوبها، فالخصم الحقيقي وإن كان لا يوصف بالعداوة بل بالتباين في العيش المشترك والعادات والتقاليد هو الجزائر، بينما المغرب هو الذي امتد نحو موريتانيا وامتدت إليه جغرافيا وعاشا معا السراء والضراء.
فعلي الأرض فإن داخلة انواذيبو امتدادها في داخلة واد الذهب ، وتلك امتدادها لعيون فاسمارة فالطينطان فالطرفاي فتيزنيت فاكليميم إلي باب الصحراء، هذه الشعوب امتدادها الطبيعي إلي الجنوب لا ينتهي إلا في الحوضين، فليس امتدادها في الشمال إلي فاس ومكناس، ولذا فإن المغرب لم يسجن الرئيس المختار سجن احتقار ولم يحاصر سلاحه مدن شنقيط ووادان وولاته إلي آخره، ولم يروع يوما ساكنة هذه المدن: بمعني أن نزوح سياسيين يساريين يريدون السلطة فوق شعب يجرونه من بين أهله ومن فوق وطنه الذي تربي فيه إلي أرض لا رحم له فيها ليكون أديمها فقط قبورا لزعمائه وإلي جانب أولئك الزعماء ما يشكل شعبا كاملا تحت القبور بعيدا عن من يقف عليهم ويترحم عليهم ويسأل المولي عز وجل أن يقبلهم من المنعمين المكرمين عنده، هذه الصورة من العمل لا يمكن الصداقة مع من تسبب فيها.
وباختصار لهذا الجانب من المقال وهو إظهار امتداد شمالنا لجنوبنا والعكس كذلك فإني أًصل إلي حفرة الأعمى التي قيل أن الجمعية الوطنية قامت بحفرها لتجعل فيها لجنة صداقة مع البوليزاريو في تيندوف.
فأقول أن هذا عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، إلآ إذا كان فوق وطنه : بمعني تمثيل من لا يمثل في الطرفين ولذا أقول للجميع أن الناجحين سواء كان رئيسا أو برلمانيا في انتخابات الديمقراطية لا يمثل في الإسلام إلا نفسه، فمعلوم أن الإسلام لا يعطي التمثيل والوكالة إلا للرشداء، حتى أن والد الأسرة إذا كان سفيها تنزع منه الشريعة وكالته علي أبنائه، وتعطيها لأقرب رشيد من الأسرة أو القاضي، فنحن نعلم أنه في الديمقراطية إذا صوت 51 فاسقا ضد 49 رشيدا ينجح مرشح الفاسقين، وهذا يعني أننا دولة إسلامية وإن منعنا من سلوك الطريق المستقيم في الانتخابات، فالقرآن يقول : (( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون )) إلي آخر التفصيل المتباين، فمنعنا من سلوك الطريق المستقيم ينتهي ساعة موتنا وإلي ما لا نهاية، فعندئذ نحن تحت قبضة العزيز الجبار فعلي العقلاء الناجحين أن يتنبهوا لذلك.
فهؤلاء النواب المكونين للجنة الصداقة لبعد ما فعلوه من مصلحة الشعب الموريتاني لا يمثلون إلا أنفسهم، فلا مصلحة الشعب الموريتاني ولا الشعب الصحراوي في هذه اللجنة، ومن ما نأسف له أنا هو أنه يوجد من بين أعضاء هذه اللجنة ممثلون عن الحزب الحاكم وآخرون محسوبون علي حزب تواصل، والذي أتيقنه هنا أن من كان من اللجنة من تواصل فقد اعتدي بفعله هذا علي نهج تواصل الذي يمثله حقيقة ما يصدر من مجلس شوراه عندما يجتمع في جلساته وهو مجمع علي فعل البر والتقوى، وقطعا ليس هذا الفعل من أفعال البر والتقوى، فلجنة هنا في أمن وإيمان تجتمع مع أعضاء في مخيم لهم فيه من العمر ما يتذكر فيه من تذكر، فقد بلغوا فيه عمر أمة محمد صلي الله عليه وسلم وهو 60 سنة ولم يكتسبوا في هذه المدة إلا متاعب الدنيا( الغربة عن الأوطان ، والعيش بالصدقات ).
فما كنت أظن أن أي عضو في تواصل يكون في لجنة مضمون عملها لا توجد فيه أي بارقة من المصلحة النافعة في الآخرة، فكان علي من هم وراء هذه الفكرة أن يذهبوا إلي الصحراويين في مدنهم ويجتمعوا مع منتخبيهم ويكيفون جميع أحوالهم من حياة المعيشة والأمن والإيمان، وحتى من الاعتبار الدنيوي ليطلعوا علي حقيقة حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلي آخره، وبعد ذلك يذهبون إلي المخيمات، ويعملون مقارنة بين كل من رأوا في الفريقين، وعندئذ يشكلون لجنة صداقة مع أي منهما معه الذي يجب اتباعه.
ومن جهة أخري فإني أنبه السيد الرئيس أن هناك فرصة ثمينة خسرها الرئيس السابق أكثر من خساراته الأخرى – وأرجو أن لا يقع له هو ذلك - وهي شدة القرب من المغرب وحسن العلاقة معه، فالمغرب بالنسبة لموريتانيا ثروة خام لا ينضب في جميع المجالات أولا بالاعتبار اللا محدود للموريتانيين والسخاء لهم بتواضع بتلبية كل طلب موجود في المغرب ( وكل شيء موجود فيه ) مما يحتاجه الموريتانيون ( وكل شيء يحتاجونه )، فالخبرة الرخيصة واليد العاملة الرخيصة وأصول كل صناعة تحتاجها موريتانيا إلي آخره، هذا كله لا يحول بين الموريتانيين معه عند المغرب إلا أنفسهم أو المتخبطين في طلب المسؤولية السياسية الدنيوية التي دائما محدود زمنها وبعده لا يعرف المصير بعدها، فالرئيس السابق يكون معه زوجه 70% من الجنسية الأصيلة في المغرب، وهذه الصفة كانت فرصة ذهبية لتكوين علاقة بهذا الاعتبار ينتفع بها الموريتانيون من المغرب وينتفع المغرب من توطيد علاقة مع موريتانيا وثيقة، وهذا ما يريده المغرب ويكفيه منا، ونحن نريد خيراته الكثيرة وخبراته الواسعة مع دماثة الأخلاق والبعد عن التكبر وإظهار الارتفاع، فالعلاقة مع المغرب رطبة مثمرة ينتفع بها الجميع، والعلاقة مع الجزائر صلدة لا يقدر منها علي شيء، فكنا نرجو من هذا الرئيس الذي تريده موريتانيا كما توهم الجميع فيه أن نجاحه سيكون فتحا مبينا لهذا الشعب في جميع المجالات، فكا عليه أن ينتبه بفطنته وعبقريته لهذا الموضوع ليعود بهذا الشعب إلي حسن أخلاقه وخصائصه المعروف بها، فاستقلال موريتانيا أنبت رئيسه الأول شبابه نباتا حسنا إلا أنه أجهضه العسكريون بسبب الجزائر ، فالعسكريون في الماضي لم يخلق الله أحدا منهم يستطيع تحمل رسالة المصلحة والاستماتة في البحث عنها والسير لتحصيلها والله يقول : (( الله أعلم حيث يجعل رسالاته )).