استبشر الصحفيون الموريتانيون خيرا بتخصيص "الهابا" (السلطة العليا للصحافة) لجائزة سنوية، تعرف بـ "جائزة الاستقلال"، حيث تمنح لصاحب أفضل عمل صحفي.
لكن رياح "الهابا" سرت بما لا تشتهيه سفن الإعلام الحر والمهني، فعادت حليمة لعادتها القديمة من خلال تطبيق نفس المعايير، التي طبقتها حينما أرادت أن تفتح مجالا للفضاء السمعي البصري، فكان حظ المقربين والدائرين في فلك النظام هو سيد قرارها، مؤكدة بذلك أنه لا سبيل لانتهاج طريق آخر غير ذلك النهج المعروف.
فرأينا قنوات وإذاعات تمنح لنفس المكون الاجتماعي، إن لم تكن نفس الأسرة، تحت يافطات متعددة، الغائب الأكبر عنها هو معاني الوطن الجامع ومعايير المهنية الصحفية، لتصبح المهنة الصحفية مجرد لعبة في ملعب السلطة ورأس المال المرتبط بها.
حاولت "الهابا"، هذه المرة، الخروج على استحياء من تلك الدوائر الصغيرة، لكنها بقت حبيسة جدران موالاة النظام وأقلام التزلف والتملق للحكام والحاكمين، الذين نالوا رضاهم وهاياهم ومساعداتهم، على حساب أصحاب الكلمة الحرة واحترام أدبيات المهنة. واليوم يتوجون ذلك المسار، الذي بدأوه منذ زمن قديم، بنيل جائزة الاستقلال، التي ترمز للاستقلالية والمهنية الصحافية، وبذلك الإجراء التعسفي، تكون "الهابا" قد منحت شهادة وفاة لاستقلال مهنة الصحافة وربطتها من جديد بشروط الولاء والدوران في فلك الأنظمة السياسية وتحريف الكلم عن مواضعه، لنيل قسط من الكعكة..!!
إن أول غياب معايير المهنة الصحفية والاستغلالية هو عدم إتباع "الهابا" للسبل الكفيلة بمشاركة جميع الكتاب والإعلاميين في جائزة الاستقلال، فقد باغتت الجميع بإعلانها عن الفائزين، أما ثانيها فهو أن أغلب الفائزين إما مقربون من النظام أو ينتمون لمؤسسات إعلامية مقربة منه وأن الاستثناء الوحيد مثله الكاتب والإعلامي المختار السالم أحمد سالم من موقع المحيط، الذي حجبت عنه الجائزة لأسباب ظاهرها مهني وباطنها سياسي، لأنها منحت في المقابل لغير مستحقيها ولمجرد أنهم أحسنوا في كيل الشتائم لمعارضي النظام ودنسوا شرف المهنة الإعلامية، بتقديمها مادة للمزايدة على موائد الاسترزاق والكسب غير المهني.
فإلى متى ستظل مؤسسة "الهابا" قناعا لترويض الصحفيين وحرية الصحافة لخدمة السياسات القديمة الجديدة وتكريس الواقع السيئ للإعلام الحر، الذي حاولت الاتفاقية الأوربية الموريتانية لسنة 2006 النهوض به؟!