لا خلاف في أن الفساد ضرب بأطنابه في كل زاوية من زوايا المجتمع والدولة، فعقلية الفساد متجذرة ، وأي شخص يحاول الإصلاح عبر مراعاته لمسؤولياته سيضع نفسه في مرمى نيران المجتمع التي غالبا ما تصفه بأوصاف تجعل منه شخصا منبوذا، أو يضطر تحت ضغط البيئة للإنجراف في مجرى الإفساد والفساد بذريعة الحفاظ على العرض، وهذا أمر بالغ الخطورة لم أرد إهماله باعتباره النواة الصلبة والمنطلق الرئيسي في عملية الفساد المنتشرة.
هذه الممارسات التي نتحدث عنها هي الدافع الرئيسي للبعض باتجاه اتخاذ قرار بقرصنة أموال الدولة بغية السيطرة عليها وتسخيرها لغايات شخصية، تجعل من تلك الموارد أداة طيعة في أيديهم من خلالها يتخذون قرار المنع والعطاء مما يجعلهم هم المتحكمون في مصادر أموال الدولة وأرزاق العباد ومصالح البلاد، ولا يخفى ما لهذا النوع من خطورة قد تكون ذات خطر بالغ على مستقبل البلد واستقراره نتيجة الظلم الذي يقع على الغالبية التي قد يدفعها الحرمان والشعور بالغبن والتضييق عليها في مصادر رزقها إلى ما لا تحمد عقباه.
المنطق يقول إن حرب الفساد قد دقت ساعة صفرها وأنه يجب توفير كل المعدات والآليات الكفيلة باستخدامها في هذه الحرب الملحة ذات الهدف النبيل. والواقع يقول إن الاستعدادات لا تزال في أولها وأن أي تقصير يحدث من أجل إلحاق الهزيمة بمن يقود هذه المعركة الحاسمة، وهذا ما يفرض علينا أن نقف جميعا صفا واحدا لكي لا يحدث، هذه الحرب لا يجب أن تؤخر لحظة واحدة لأنها حرب مصيرية تدفع باتجاه محاسبة الفاسدين المفسدين، ولا شك أن تأجيلها قد ينظر إليه البعض كمحاولة لتغيير مسارها أو هو تواطؤ من لدن جهات متنفذة داخل الإدارة الحالية، لكن هذا تفسير متعسف بعض الشيء؛ إذ كيف يمكن أن نتواطأ في تغييب المجرمين عن العدالة وكان في المتناول الضغط باتجاه التستر عليهم بالمنع من فتح تلك الملفات وكشف الفساد داخلها.
إن عملية التحول باتجاه الإصلاح لا يمكن أن تنطلق ما لم تتم المحاسبة بحسم وفاعلية، ففتح ملفات الفساد بحد ذاته لن يكون حدا فاصلا بين الإصلاح والفساد إلا إذا تحول إلى أداة لتقديم الضالعين في تلك الملفات إلى العدالة ومحاكمتهم ومحاسبة من تثبت صلته بالفساد سواء بالممارسة أو التغاضي.
محاربة الفساد يجب أن تكون في كل الإدارات بالتوازي، وأن تكون المحاسبة شاملة دون انتقائية ولا محسوبية، فالانتقائية فساد والمحسوبية فساد وكلاهما امتداد لما يجب محاربته باعتبارهما فرع عن أصل.
الوضع القائم يقول إنه لا مجال للتراجع عن تلك الحرب فقطار المحاسبة قد انطلق، وسيأخذ في طريقه كل من تثبت صلته بالفساد مهما كان منصبه إلى محطة العدالة ليواجه مصيره المحتوم ويدفع ثمن أخطائه وخطاياه مهما كانت جسيمة بحق الشعب والوطن.. ولا شك أن الثمن سيكون فادحا فداحة البؤس الذي يعيشه هذا الشعب المغلوب على أمره والذي لا زال يعيش لكنه في الرمق الأخير.
هناك ملاحظة لا يفوتني أن أختم بها وهي أن موالاة المفسدين والدفاع عنهم لا يمكن إدراجها ضمن خانة الوفاء، بل يستحيل تصنيفها في أي خانة من مكارم الأخلاق؛ إذ الأخلاق والدين والعرف والقانون، كل ذلك يقتضي العمل الجاد والحثيث من أجل استعادة أموال الشعب المنهوبة وتسخيرها لمحاربة البطالة وإصلاح التعليم ودعم قطاع الصحة بما يسمح بتوفير بيئة ملائمة لنهضة شاملة نطمح أن نرى بوادرها تنجز على أرض الواقع في القريب العاجل.