إننا نعيش في عصر ألغيت فيه الحدود وأصبحت التيارات الفكرية أكثر تداخلا والمصالح أكثر تشابك، فلابد من وضع معيار سياسي تقاس عليه المواقف حتى لا نضل سواء السبيل وقد حددت القيادة السياسية حاليا لوطننا معيار المصلحة الوطنية نبراسا ينير مسيرتنا ونبني على أساسه مواقفنا السياسية في الداخل وفي الخارج.
وللأسف الشديد و إهمالًا منا، لقد فقدنا قيم التأزر والتسامح والتي لم يعد لها أي أثر في تصرفاتنا بسبب انبهارنا بالقيم المادية للتيار الرأسمالي ومخرجاته الفائضة في سلسلة إنتاج الكماليات التي أسرت عقولنا ، فجعلنا منها ضرورات وغايات لازمة؛ فكان ذلك سببا في تنكرنا لأهم قيم سلفنا العظيمة ،علي سبيل مثال طغيان النزعة الذاتية وتغليب المصلحة الفردية علي كل ما سواها من مصالح المجتمع والأمة.
إن الحرب الطاحنة التي يخوضها كثيرون منا من أجل الحصول على تعيين حكومي مثمر مثلا ، أو للحصول على امتيازات مادية صرفة؛ تظل غايته النهائية والثابتة؛ بل والوحيدة هي الحصول على المال؛ ليس لأجل الوطن ولا الصالح العام؛ بل لذات المال والمال فقط!!
فعلى المستوى الفردي فإن السؤال يطرح تلقائيا عن كيف استطاع هذا الموظف أو ذاك الحصول على كل هذه الثروات المكدسة لديه؟ حيث إنه لا وجود لأي مسار تراكمي عادي لأي موظف عمومي يمكنه من أن يصبح مليونيرا في كل مساره ولو طال!!
ومع ذلك لا نستطيع أن ننكر أن المال العمومي قد فتح الطريق واسعا أمام طالبي الثراء السهل والفاحش.
أجل فقد اسْتٌعمل “الشعب” دائما لإعطاء السلطة لممثلين غالبا ما ينسون مهمتهم الأساسية التي هي حماية المصالح العامة وتحسين الظروف المعيشية للمواطن.
وما هو أخطر من كل هذا ، أنه من البديهي أن قيمة الدول والشعوب والأمم إنما تقاس بقيمة مصادرها البشرية؛ تلك المصادر التي تتحدد قيمتها هي الأخرى بحسب ما تملكه من علوم ومعارف وخبرات نوعية؛ إذ بالعلم والمعرفة استطاع الإنسان تطويع الطبيعة لمصلحته فكسب بذلك الخبرات والأموال والثروات؛ فما بالنا نحن نصر على قلب المعادلة فنجعل المال غاية غاياتنا ، رغم أنه لم يكن في الدول المتقدمة والمجتمعات الناجحة سوى وسيلة تخدم العلم والبحث والإبداع والإبتكار
فمتى نعي نحن نخبة موريتانيا ذلك ونلتفت إلى منظومتنا التربوية فنصلحها أولا؛ حتى نستريح من جلد أنفسنا بسياط الإحباط والغضب من تصرفات نخبنا التي ما كان لتصرفاتها أن تكون كذلك.
ثم لماذا نصر على الهروب دائما من تحمل نصيبنا من مسوؤلية ما نحن فيه وتعليق أسباب كل إخفاقاتنا على جبين دولتنا الفتية؛ وكأن هنالك انفصاما وانفصالا بين الدولة كمؤسسة، وبين مواطنيها؟
وما قيمة كل الإرادات الصادقة والخيارات النيرة والقرارات الصائبة التي تتبناها الدولة. و التي علينا مواكبتها وتجسيدها والدفاع عنها والحرص على إنجاحها.
ونثمن سهر الحكومة الحالية على ترميم منظومتنا التربوية وتجسيدا للمقولة ، بالتعليم وحده يمكننا أن نخلق الإنسان الذي نريد والمواطن السوي الذي يبني ولا يهدم؛ يحب وطنه ويفي بحق مواطنيه.
وبذلك لا نصنع المستقبل الزاهر فقط؛ وإنما أيضا الحاضر السعيد الذي نعيش فيه وحدتنا الوطنية وتلاحمنا الاجتماعي الدافئ والبناء؛ لأنه لن تكون لنا إلا منظومة تربوية مستمدة من ثوابتنا الحضارية وقيمنا المشتركة المستمدة أولا وقبل كل شيء من ديننا الإسلامي.
ولعل أقرب وأبشع الأمثلة على ذلكم هو ما لم يعد خافيا على أحد من سعي البعض، لضرب وحدتنا الوطنية وإثارة الفتن الاجتماعية و الوشايات الكاذبة من خلال محاولة اللعب على أوتار اللون والعرق والطائفة التي لم تعن أي شيء يوما بالنسبة للمواطن الموريتاني السوي والذي ظل دائما يفخر ويعتز بانتمائه الوطني دون أن يعرف لنفسه “لونا” سوى أنه موريتاني وكفى.
لكن “إذا عرف السبب بطل العجب”؛ كما يقال، وإن السبب لجلي في قيم الجشع المادي الغريبة على مجتمعنا والتي جعلت “الكسب المادي العاجل والرخيص هدفا لكل تصرفاتنا حتى لو كان ذلك على حساب المجتمع وأجياله المتعاقبة.
و بالمناسبة فإننا نحيي إصراركم يا سيدي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ؛ إصراركم الدءوب على الإعلاء ببلادنا بقيم الشرف والوطنية.
و نؤكد لكم دعم الشعب الموريتاني المطلق لجهودكم و تقديرنا لتطبيقكم للعدالة الإجتماعية القائمة على القيم والمثل الإنسانية ،المستوحات من أخلاقنا وقيمنا الأصيلة ونثمن الإنجازات و الخيارات الصحيحة و العظيمة التي حققتم للبلاد رغم الوضعية الصعبة التي أخذتم فيها وطننا ومن بينها جائحة كورونا.
وبعيدا عن الخطابات السياسية الهادفة، فإن الشعب الموريتاني يدعم مبدأ الإجماع الوطني الهادف أساسا إلى تجذير وحدتنا الوطنية والتحسين المستمر لظروف المعيشية لشعبنا وتساوي المواطنين أمام جميع الفرص.
وتوجد لدينا مقترحات على سبيل المثال :إنشاء هيئة حكماء تهتم بدعم الوحدة الوطنية ، وتفعيل مجلس الفتوى ومجلس الإقتصادي و الإجتماعي، كما نثمن إنشاء مندوبية تآزر الهادفة الى تقريب برامج خدمات الدولة من الفقراء.
ونرجو من الله أن يسدد خطاكم من أجل بناء موريتانيا مزدهرة و قوية بوحدتها الوطنية في جو ديمقراطي و هو على ذلك قدير.
احمد سيدنا بك
حاصل على شهادة الدراسات العليا في اللسانيات والتكنولوجيا التعليمية ،جامعة مانس ( فرنسا).