بيرام ولد اعبيدي على خطى" ساين اوينز"..!! / سيدي ولد سيد احمد

altيعد إقدام بيرام ورفاقه في حركة "ايرا" على إقامة محرقة لكتب فقه الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، المعتمدة في هذه البلاد منذ عشرة قرون خلت، سابقة خطيرة في تحدي هوية وأصالة وقيم ومشاعر ساكنة هذه الأرض، التي عرفت بعلمائها الأفذاذ، الذين حفظوا متون الفقه وجابوا مختلف أصقاع بلاد الإسلام، يبثون العلم في صدور الرجال، فكان اسم بلاد شنقيط معلما بارزا ورافدا من روافد العلم في العالم الإسلامي.

تلك حقيقة أدركها المتربصون بتاريخ وواقع ومستقبل هذا الوطن، فعزموا أمرهم على القضاء على مصادر قوة الأمة، التي صنعت ذلك التاريخ المجيد، كما قرر يوما نائب بريطاني احراق القرآن لأن فيه يكمن يشكل سر بقاء وازدهار أمة الإسلام، فانبرى له نواب قائلين له"نحن لا نريد حرقه في البرلمان بل نريد أن نحرقه في قلوب المسلمين، لأن لديهم ملايين النسخ منه".

لكن بيرام ورهطه الغافلين عن فهم تاريخ الأمة الإسلامية، لم يعلموا عن فشل محاولات التتار والمغول والانجيليين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية في طمس هوية هذه الأمة وتاريخها الطويل في البذل والعطاء، فأعشتهم نار الحقد وغرهم أسيادهم، فهاموا على وجوههم لا يلوون على شيء، لم يتعلموا من البرلمان البريطاني الدرس في مواجهة المسلمين، فكرروا محاولات فاشلة، دبرها أشخاص مصابون بالعمى السياسي وبجهل وعد الله بحفظ هذا القرآن من التحريف والتزييف"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظن".

نسي غلاة حركة "ايرا" أن هذه الكتاب هي نتاج عصارة فكر علماء هذه الأمة عبر عصور طويلة، بلغوا فيها درجة الاجتهاد يوم كان بابه مفتوحا، واستوفوا شروطه من معرفة الكتاب والسنة واللغة العربية وأصول الفقه ومواقع الإجماع ومقاصد الشريعة وأحوال عصورهم.

ولم يملك أصحاب "ايرا" من رد على تلك القمم السامقة، سوى أن يقيموا محارق لعلومهم ومعارفهم، التي أصبحت جزء لا يتجزأ من حياة هذه الأمة ومرجعية لقوانينها ودساتيرها، لأنهم لا يملكون دليلا واحدا على تناقضها مع كتاب الله وسنة رسوله كما يزعمون، فقد وقع عليها إجماع الأمة، التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم"لا تجتمع أمتي على ضلالة"، فساروا على درب "ساين اوينز" السياسي البريطاني من الحزب الوطني اليميني المتطرف، الذي حرق المصحف ليشعل نار الفتنة بين مكونات الشعب البريطاني، وليتمكن من الصعود إلى قبة البرلمان، لكن الدولة البريطانية كانت بالمرصاد له ومكث في السجن مليا.

لا يمكن الحكم على ما أنجزه علماء الأمة الإسلامية عبر عصورها الزاهية، من خلال نزوات وشطحات الحاقدين الطامحين لمحو تراث هذه الأمة وانجازاتها التاريخية، وإن تحالفوا مع أعدائها واستنسخوا محاولات، فشلت من قبل في النيل من قدرة هذه الأمة على الاستمرار. فكيف يمكن أن يتحول ذلك الناشط السياسي في الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي، طيلة ما يزيد على عقد من الزمن، إلى ثائر بدون حدود على المنابر الوطنية والدولية، يدافع عن إحدى شرائح مجتمعنا المظلومة تاريخيا، فلماذا إذن التزم الصمت على امتداد تلك الفترة أم أنه أدرك أخيرا أن صوت مسعود المرتفع أوصله بأقلية لرئاسة البرلمان وأن رفعه لصوته هذه المرة من شأنه أن يغير معادلة الحكم، ليكون رئيسا يحكم بأقلية.

لقد أدت عوامل منها حرب الصحراء ووقوع البلاد تحت طائلة الجفاف ووصول العسكر للسلطة إلى بروز حركة سرية تدعى "حركة الحر" لتتدرج في مطالبها من تحرير الأرقاء مرورا بالحصول على حقوقهم المدنية ووصولا إلى تحقيق حلم الوصول للحكم، كما سعى له مسعود ولد بلخير في الانتخابات الرئاسية 2009 وصعود حركة "ايرا"، التي يسعى قادتها لإسقاط نموذج جنوب إفريقيا على الواقع السياسي في موريتانيا.

فلم تعد المطالب الاجتماعية إلا شماعة يحملها المتطرفون من حركتي "الحر" و"ايرا" لتحقيق مآرب سياسية لهم، فقد أصبحت شريحة الحراطين (الأرقاء القدماء) تتصدر لائحة المستفيدين من خدمات الدولة في مجال الصحة والتعليم العام، والتشغيل والولوج للمناصب الإدارية بمختلف مستوياتها، فهم الآن يشغلون رئاسة البرلمان والمجلس الدستوري والمجلس الاقتصادي والإجتماعي، بالإضافة لمناصب سامية في وزارات الداخلية العدل والتجارة ووكالة الأنباء والتلفزيون الرسمي...

ولم تتضرر تلك الشريحة من عملية تنظيف الإدارة، التي عمد إلى تطبيقها قادة انقلاب 2008، لا بل إنها كانت أكبر مستفيد من التغلغل في مفاصل الإدارة والحكم.

إن معظم الموريتانيين بما فيهم الأسياد والعبيد القدماء يعانون من ظاهرة تفشي الثالوث الملعون المتمثل في الفقر والجهل والمرض، ويعود ذلك إلى النقص الكبير في التخطيط والتنفيذ لمشاريع التنمية المحلية والارتفاع المذهل لتكاليف المعيشة والصحة والتعليم والنقل، مما يحتم على الدولة وهيئات المجتمع المدني الوطنية والدولية تكثيف برامجها الهادفة لتخفيف معاناة السكان، بغض النظر عن ألوانهم وجهاتهم وأعراقهم.

فلم يعد معظم السادة القدماء قادرين على دفع فواتير تكاليف الحياة اليومية لأفراد أسرهم، أحرى أن يضيفوا إليها أعباء جديدة، ومن هنا ندرك عمق الأزمة التي دفعت بآلاف الأرقاء القدماء للعيش في تجمعات كبيرة"أدواب"، لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة من سكن وماء وكهرباء، وينعدم فيها دخل الفرد،.  ويمكن تعميم تلك الظاهرة على معظم شريحة "البيضان"، الذين فقدوا ثرواتهم الحيوانية والزراعية تحت تأثير وطأة الجفاف، الذي عانت منه البلاد لأكثر من عقدين.

إننا نهيب بكل الأرقاء القدماء أن يقرأوا كثيرا سورة يوسف عليه السلام، فقد كان نموذجا للإنسان الذي عانى من الظلم والإبعاد والاسترقاق والسجن، لكن صبره وحكمته أوصلته إلى التمكين في الأرض، فولاه ملك مصر على خزائنها، وخاطب إخوته الذين رموه في غياهب الجب وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ " =قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" (سورة يوسف)، فقد كان عليه السلام نموذجا في الصبر والحلم والتسامح والصفح.

ومهما تكن الجهات التي وقفت وراء ذلك العمل غير الصالح والتوقيت له، فإن بيرام ورفاقه يتحملون كامل المسؤولية عن تحدي مشاعر مليار ونصف من المسلمين في العالم وعن الإساءة البالغة التي ألحقوها بقضيتهم العادلة. "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".

1. مايو 2012 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا