خواطر من الماضي و الحاضر / عبد الرحيم مسكة

الأحكام الوطنية في جميع أنحاء العالم لا تعرف الجمود و التوقف عن الحركة الدائمة و تلك سنة الحياة القائمة على التبدل و التغير بفعل الرغبة البشرية في الوصول إلى الأفضل        و الأحسن

و نحن في هذا الوطن العزيز كموريتانيين يحدونا الأمل الدائم في الوصول إلى ما وصلت إليه الأمم التي سبقتنا في البناء و التعمير

و من هذا المنطلق فإن الأحكام التي تعاقبت على السلطة في البلاد كان الاعتقاد السائد عندها جميعا أن تغير و تبدل ما تراه شائعا من السلبيات و تعمل جاهدة أن تؤسس حكما جديدا على ما تعتقد أنه الأصلح و الأنجح

و من هنا بدأت الانقلابات الواحد بعد الآخر أملا في تغيير ما هو سلبي في نظرها و الإتيان بما هو أفضل و أجدى

إلى أن جاء آخر انقلاب على السلطة المنتخبة ديمقراطيا سنة 2008 و قد استمر 10 سنوات انتخابية زائد سنتان خارج الحساب، و استمرت تلك الفترة بما لها و ما عليها، و قد كان الرأي العام في أغلبه يرى أن ما كان عليها أكثر بكثير مما كان لها

و بدون الدخول في التفاصيل و هي كثيرة و متشعبة فالمهم أن تلك الفترة قد ودعت الساحة السياسية و لا أحد يأسف على ذهابها على الأرجح

و من المسلم به أن الحكم الذي يذهب يأتي بعده حكم جديد منتخب تتخلله الحملات الانتخابية التي كانت نتائجها في صالح الحكم الجديد برئاسة الرئيس الغزواني، و قد جاء الحكم الجديد مبشرا بكثير من الوعود الجميلة الشاملة لمجمل الحياة الوطنية

و رغم أن الوقت لا يزال مبكرا على الحكم له أو عليه أو إعطاء تقييم موضوعي عن السنة الأولى منه فإن الذي هو حاصل إلى حد الآن يعطي انطباعا عاما بأن الأمور لا تزال تسير في الإبقاء على كثير من مكونات الحكم السابق

و الرأي العام كان تواقا بأن يرى بعض الإجراءات الجوهرية للكثير من المآخذ المسجلة على الحكم السابق و بخاصة العمل على تغيير العديد من المسؤولين السابقين الذين           لا يزالون يتحكمون في مجالات على درجة كبيرة من الأهمية، و ذلك باستثناء وزارة الخارجية و هي أهم وزارات السيادة و وزيرها الحالي متميز في شخصه و دوره العالمي الذي كان يقوم به في المنظمات الدولية مشهود، و منذ أن تولى مهام وزارة الخارجية قبل الانتخابات الأخيرة و هو يعمل على إصلاح ما أفسده سابقوه في الإدارة العامة للوزارة، هذا بالإضافة إلى مبادرته في إخراج جوازات الدبلوماسيين الموريتانيين في الخارج حيث كان الرئيس السابق يصادرها في رئاسة الجمهورية  منذ خمس سنوات.

 هذا بالنسبة لوزارة الخارجية، أما وزارة المياه و الصرف الصحي و هي وزارة من العهد الماضي و لكنها وزارة المشاكل التي لا حدود لها، الأمر الذي جعل البعض يتعاطف مع وزيرها لمواجهة ظروفها الحالية

و من ناحية أخرى، و رغم المصاعب و الظروف التي تواجهها الحكومة الحالية، و بخاصة المشاكل الاقتصادية  و الاجتماعية الناجمة عن تأثيرات وباء كورونا العالمي، فإن كل ذلك لا يحول دون إجراء إصلاحات هيكلية في العديد من اجهزة الدولة لا تتطلب إحداث تغيرات في الموازنات المالية الجارية

و في هذا الإطار يجدر التنويه بالجهود التي بذلتها و تبذلها الحكومة الحالية في مواجهة بلاء كورونا، حيث قامت بإجراءات شاملة لمختلف المجلات الصحية و الاقتصادية و الاجتماعية، و كذلك الأمنية، و بصفة خاصة السيطرة على ممرات الحدود الجنوبية الذي كان الانسياب البشري العابر للحدود يعتبر سمة تقليدية في العلاقات مع دول الجوار.

و في الختام، لابد من لفت النظر إلى العلاقات القائمة حتى الآن مع بعض الهيئات مثل ما يسمى بالحزب الحاكم ذلك أن الأصوات تتعالى منوهة بنفوذه في الحياة السياسية للدولة، علما بأن هذا الحزب منذ إنشائه في عهد عزيز ، لم يسبق له أن تمتع بأي نفوذ على سلطات الدولة سواء أكان ذلك في المجال السياسي أو التنفيذي، فهو في الحقيقة حزب تابع و ليس حزبا حاكما على الإطلاق.

أما الهيئة الثانية، و هي أهم هيئة في الدولة بصفتها هيئة تشريعية تقابل في الأهمية الهيئة التنفيذية، إلا أنها مرت بظروف سياسية سادها بعض التجاذبات في وجهات النظر قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكن الأمور بدأت تتجه نحو المشاركة الايجابية في كشف العديد من ملفات الفساد و الفاسدين و هذا موقف في غاية الأهمية.

 

عبد الرحيم مسكة

وزير مفوض  سابقا في الجامعة العربية

28 ـ 07 ـ 2020

31. يوليو 2020 - 20:34

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا