تحظى الأعياد الدينية بمكانة كبيرة في الموروث الشعبي الموريتاني، وتمثل سانحة هامة للتلاحم والتضامن وتسوية الخلافات البينية بين الأفراد والجماعات من خلال توثيق وشائج القربى والمودة وصلة الرحم و المسامحة، ويعرف عيد الأضحى عند الموريتانيين بـ "انْهَارْ لَكْبِيرْ" وَ "عِيدْ الْحَمْ" و تترسخ مفاهيم تقليدية مستوحاة من السنة والعادات والأثر في إحياء العيد عند الموريتانيين قديما، حيث يبدؤون صبِيحتَه بالتكبير والتسبيح والتهليل ومع بزوغ الشمس يُؤكّد الجميع فِطرهم بتناول التمر أو شرب اللبن أو ماتيسّر.. ويحرص الكل غالبا على أن تكون الأضاحي والملابس من أحسن ما يوجود، إذ شائع في الموروث الشعبي أن صاحب الأضحية الكبيرة يأتي يوم القيامة راكبا عليها مع عياله، وبالتالي يحرص المضحِّي كل الحرص على انتقاء أضحيَتِه بعناية كبيرة تأسيًّا بالسنة النبوية والأثر؛
يقول أحد الأدباء الشعبيّين في رحلة بحث عن أضحية مجزِئة وملابس جديدة:
حَجَّبْ لِي نَجبَرْ شَيخْ اكباشْ .. ؤ دَرّاعَه يالشيخ امّلِّ
مَعنــاهَ باط انــــدَوَّر بــــــاشْ .. انْعَيَّد ؤ فّاش انْصَـلِّ
ويقول آخر واصفا مُختارَ ما يُجزِئُ في أضحيّة العيد:
اُضْحِيتْ ارْسُولْ الْ عَامْلَه.. بِيهَا الُامَّه كَبْشَيْنِ
أَمْلَحَيْنِ وَمْعَ آمْـلَـ ... ـحَيْنِ زَادْ أَقْرَنَيْنِ
..وفي صبيحة العيد يبدأ الناس ارتداء ملابسهم الجديدة بدءً بالأطفال ثم الكبار وينطلق الجميع إلى إحدى الساحات العامة في القرية أو "لَفْرِيكْ" لِحضور صلاة وخطبتَيْ العيد، فيبدأ الإمام بالصلاة و يفتتح خطبتِيْهِ بتكبيرات العيد ثم بمقدمة وعظية يعرّج بعدها على أحكام الأضاحي وما يجزِئ منها وما لا يجزِئ مع تبيِين وقت الذبح وكيفيته وفضل الإطعام والتكافل ونبذ الخلاف والتراحم، ليقوم الإمام بعد الصلاة والخطبتَينِ بتذكية أُضحِيتِهِ إيذانا للجميع ببداية توقيت النحر.
وبعد صلاة العيد مباشرة يبادر الجميع كبارا وصغارا بعادة المسامحة والتي عادة ما يبدأ فيها الفرد بوالدين والزوج ثم الأقارب وذوي الرحم والأصدقاء والمعارف وتكون بصيغة مختصرة يبدأ المبادر بإعلان الصفح والمسامحة بما في علم الله من جانبه مطالبا جليسه بالمثل، ويتعهد كل عند عودته جيرانه خاصة الأكثر حاجة من معوزين و ذوي الفاقة.
وفي مساء يوم العيد بعد صلاة العصر يأخذ المعيدون زينتهم متوافدين موقع ‘سباق العيد‘ راكبين أجاوِد الخيول والجمال ويكون سباق مشهود للفرسان يكرم الفائزون فيه ويُشهد لهم بالفتوة والنبوغ في الفروسية طوال العام، لتبدأ بعد ذاك في يوم العيد البهيج حفلة موسيقية يتم إحياؤها عادة عند أسرة من أسر الفنانين تُفتَتَح بالمديح النبوي ويتبارَى الفنانون في "لَكْباح" في آلة التدنيت التي تعد معرفتها عند المجتمع التقليدي من ركائز الفتوة ومن خلالها يبرز الفتيان في "حوص الأشوار" وارتجال الكيفان، وبحلول المساء تبدأ الزيارات والمعايدات وتستمر طوال أيام العيد الثلاث، لتنتهي مخلفة جوا بهيجا من الصفاء والأخوّة والسكينة والألفة بين مختلف المكونات الاجتماعية!
مع العلم أن هذه العادات والتقاليد الجميلة المصاحبة لإحياء العيدين بدأت للأسف كغيرها من العادات الحميدة تندثر عند موريتانيِّي اليوم بسبب عولمة المدينة التي قامت عندنا على قطيعة تامة مع الموروث التقليدي ووصم المتمسكين به بالتخلف والبداوة، على النقيض من كثير من الشعوب المدَنية المتحضرة التي تقدس موروثها التقليدي وتقوم بإحيائه دوما معتبرة إياه مكسبا حضاريا ورفد قوة لمجتمعها.