في وسط عام 2019 تناهى إلى علمي، عزم البرلمان على اختيار فريق من الصحفيين، للعمل في قناة ستكون مختصة بالشأن البرلماني، وهي الأولى من نوعها في شبه المنطقة.
لم أفكر للحظة بأنني سأعمل في القناة على الأقل في بداية مشوارها، فقد كنت أعمل مع موقع تواتر كمنتج تقارير، إضافة إلى عملي كصحفي مستقل بشكل أكبر مع الجزيرة نت وبشكل أقل مع dw عربية، كما كان لدي تخوف من خط التحرير الذي ستنتهجه القناة.
ما حصل بعد ذلك لم يكن في حسباني، فقد تم تعيين الإعلامي سيدي ولد النمين، مديرا للقناة، وقد أصر على أن ينتقي فريقا للعمل معه على المشروع الوليد، فبنى على خطوة قام بها رئيس البرلمان النائب الشيخ ولد بايه رفقة الإعلامي محمد فال ولد عمير حيث أجريا قبل ذلك لقاءات مع صحفيين شباب لاختيار بعضهم.
بداية المشوار
اتصل على الزميل اقريني امينوه مساء وأخبرني بأن المدير سيدي ولد النمين يريدني في عمل وسيتصل بي، قبل أن يعود يتصل علي لاحقا ليبلغني تحية المدير وطلب مفاده ضرورة الحضور لاجتماع مهم.
دون أن نعلم كان المدير سيدي ولد النمين قد أعد ملفا مكتملا عن عدد من الصحفيين، مرفوقا بصورهم، وقد عرفت بعد ذلك أنه أختار لي صورة تعود لعام 2016 زمن الشقاء والتعب. الملف عبارة عن سيرة مختصرة حول كل واحد منا، تتضمن نقاط قوتنا وميزة كل صحفي من المجموعة، نالت المجموعة رضا رئيس البرلمان، دون أن يكون لديه معرفة مسبقة بها.
اجتمع بنا المدير سيدي ولد النمين أول مرة، ونحن لا نمتلك مقرا، ولا استديو ولا مسطرة برامجية، أخبرنا بأنه تم اختيارنا، لكي نبدأ مشروعا من الصفر، هو مشروع الحلم بالنسبة لكل فرد من الفريق، عندها بدأ السباق مع الزمن من أجل تأسيس قناة البرلمانية.
تحول مطعم البرلمان بفضل جهود المدير وفني الديكور إلى استيديو وقاعة تحرير في الطابق العلوي، وقاعة اجتماعات في الطابق السفلي، لم تكون العملية سهلة بالمرة، فقد تطلبت الكثير من الصبر وساعات العمل المتواصلة.
في غضون ذلك كان الفريق في اجتماع تحرير متواصل عبر مجموعة على الواتساب من أجل دراسة المقترحات، لقد الأمر سابقا مع الزمن لخلق مؤسسة من العدم، عبارة عن فكرة لدى رئيس البرلمان، لا يدخر أي شيء من أجل أن تنطلق للمشاهدين.
ومع بداية فاتح أغسطس اتفقنا على أن تكون الانطلاقة الحقيقية، وذلك بالتزامن مع حدث مهم في تاريخ البلد، وهو التبادل السلمي على السلطة بين رئيسين منتخبين في مشهد مهيب تاريخي.
انطلقت البرلمانية وكانت حديث الجميع، من سياسيين وحقوقيين، وناشطين في المجتمع المدني، ومشاهدين بسطاء، لقد انبهر الجميع بالحرية المسؤولة، والصورة النظيفة، والطلة الأنيقة لفريق نطلق عليه "المجانين" وكان ذلك بمعدات بسيطة متواضعة، وعدد قليل من الفنيين.
بارك لنا المدير الخطوة وأخبرنا بأن العراقيل لم تأت بعد، وطلب منا الصبر والتمسك بروح الفريق والعمل على إنجاح المشروع الحلم، لقد كان يدرك ما ينتظرنا من مشاكل، لكنه كان لديه واضح وهو أن نكون القاطرة التي تقود الإعلام الرسمي في البلد.
الضربة الموجعة
بعد الكثير من التهديد من المدير السابق لقناة الموريتانية، من أجل ثنينا عن خط تحريرنا الذي رسمنا، فقد ضاق الرجل ذرعا ب "عين" بدت تعلو على "الحاجب" ففي حين يعمل من أجل أن تكون الموريتانية قناة تلفت انتباه الجمهور، سحبت البرلمانية من تحته البساط، فقرر أن يأخذ خطوة كبيرة.
في خضم هذا، سافرت للمشاركة في مؤتمر للصحافة الاستقصائية بهامبروغ ألمانيا، وحدث ما حدث بينما كنت من مطار إلى آخر ومن طائرة إلى أخرى، وما إن أن وضعت قدمي في مطار هامبورغ ودخلت الواتس آب، حتى سمعت الخبر.
"السالك طمني عليك هل وصلت بخير، لم يحدث بعد إلا الخير، نحن في مأزق كبير، مديرنا تمت إقالته، وعين مدير جديد، رئيس البرلمان لم يقبل، ومدير الموريتانية مصمم"
كان ذلك تسجيل صوتي من الزميل اقريني امينوه في الخامس والعشرين من سبتمبر.
لم يكن المدير سيدي ولد النمين بالنسبة لنا مجرد مدير يمكن أن يخلفه مدير آخر وتستمر الأمور، هو في الحقيقة أخ أكبر وصديق للجميع، يحبنا بطشينا وجنونا وأخطائنا، واجتهادنا وعملنا، ولم يكن مجرد صحفي بالنسبة لرئيس البرلمان فقد كان ذلك الإعلامي الذي إذا عرفته لا يجب أن تخسره، إضافة إلى كون رئيس البرلمان لم تعجبه فعلة مدير الموريتانية دون الرجوع إليه.
حصلت المشكلة في وقت ما يزال النظام يثبت أقدامه ولديه أولويات، وكنا ندرك بأن الموضوع سيأخذ وقتا، فهو مرهون بإقالة مدير الموريتانية وإلغاء قراراته التي اتخذ.
الرئيس يؤمن بنا
منذ أن بدأنا العمل في البرلمانية، كان رئيس الجمعية الوطنية، يشاركنا الآراء من خلال مدير القناة، دون أن نلتقي به، لكنه كان قريبا منا دائما.
عندما حصلت أزمة القناة بفعل عزل المدير، أبلغنا بأن رئيس الجمعية الوطنية، يريدنا في اجتماع بمكتبه، وكانت تلك المرة الأولى التي التقي فيها رئيس البرلمان الشيخ ولد بايه.
تفاجأت شخصيا بفهم الرجل للإعلام ودوره وخطورته، حدثنا عن رأيه فيما حصل، حيث لم يعتبره أزمة ولا صراعا بينه وبين مدير القناة، معتبرا بأنه إذا كانت الدولة مهتمة فستحل المشكلة وتعيد القناة للبرلمان.
بعده تحدث كل واحد منا، وعبرنا عن رأينا فيما حصل، واقترحنا خطة بديلة للعمل، من أجل خلق فضاء إعلامي للبرلمان، خاصة في ظل عمل مدير الموريتانية على إنتاج برامج القناة بزملائنا هناك.
كان رئيس الجمعية الوطنية مرحا معنا، وجديا أوقاتا كثيرة، أخبرنا بأنه يعتبرنا موظفين في البرلمان، وعلينا أن نقوم بعملنا بمهنية واحترام، دون أن نقوم ببعض الممارسات السيئة والتي يقوم بها بعض الصحفيين، شرح لنا الفكرة " بأنه لا يطلب منا شكر النواب ولا عيبهم" بل أن نعمل بمهنية فقط.
كانت تلك الطمأنة مهمة بالنسبة لنا، ربما أحس الرئيس بذلك، فلم نكن نعرف مصيرنا، وقد شعرنا بأن الحلم تبخر وسنكون خارج أسوار البرلمان في أقرب وقت، لقد كانت خطوة غاية في الأهمية وفي وقتها المناسب.
بدأنا بعد ذلك الاجتماع بصنع بديل للقناة، وقد كان البديل عبارة عن موقع إلكتروني وصفحات على مواقع التواصل الإجتماعي، من أجل تغطية عمل البرلمان وإنتاج برامج وتقارير، كنا نعمل بإيمان من أجل إظهار قوتنا، وقدرتنا على العمل مع القناة أو بدونها.
كانت تلك الأزمة مهمة لنا، فقد وقف معنا نواب البرلمان، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، وعرفنا بأننا لسنا وحدنا، في حين عجزت القناة الأم عن إنتاج برامجنا على طريقتنا، رغم عدتها وعتادها.
ليس هذا فقط، فقد اكتشفنا إيمان الرئيس بنا، وبما نقدمه من إنتاج صحفي، رغم أنه لم يعرفنا سوى من خلال شاشة القناة.
عام من العمل في البرلمان، ورئيسه ينظر إلينا بعين الرضا، ويعاملنا كما لو كنا أبناءه، يوجهنا إذا أخطأنا ويشجعنا إذا أصبنا، ولا يشجعنا معنويا فقط، بل وماديا أيضا، وكأنه والد وكأننا أبناءه، فلم يعتبرنا مجرد موظفين يسدد لنا الراتب نهاية الشهر وينتهي الأمر.
الضربة التي لا تقتلك تقويك
قبل أن يغادر مدير الموريتانية السابق ولد أحمد دامو، وقع على إعادة تعيين مدير البرلمانية، وعلى اتفاق واضح المعالم، يضع حدا لتداخل الصلاحيات على تسيير القناة الوليدة.
عادت البرلمانية وعدنا إلى العمل من جديد، قد نكذب إذا قلنا بأن الأزمة لم تؤثر علينا نفسيا، لكننا كنا نحارب الأمر بتوحد الكلمة والصبر والأمل، والحقيقة أن مديرنا لم يتركنا فقد كان يراقبنا من بعيد، وربما وجد الفرصة لكي يتركنا مع أنفسنا لكي يعرف ماذا سنفعل وكيف سنقوم ونتصرف.
اليوم نحتفل بسنة على إنطلاقة مسطرتنا، وندرك بأننا لسنا بقوة انطلاقتنا، لكننا نعمل على لملمة الأوراق، واستجماع القوة خاصة بعد تأثير انتشار كورونا علينا وعلى عملنا، وسنعمل على أن نظل دائما منصة الحوار السياسي المسؤول والهادف والمهني، وأن نظل صوت الشعب.