فعلا؛ الرعية على قلب الأمير!!! / محمد سالم حبيب

منذ فترة والسجال على أشده بين أنصار مبدأين أساسيين من مبادئ الحكم، لكل منهما وجهة نظره، وقبلته التي هو موليها في تبريراته لتعاطي السلطة السياسية مع نمط تسييرها للشأن العام؛ صالحِه وطالحِه.

أما التوجه الأول فيأخذ أصحابه بمبدإ :

"الرعية على قلب الأمير".

وهو رأي يرى أهله أن مدار التسيير حسنِه وسيئه، يقع على عاتق القائد فهو المحدد الأول والأخير له، والآخرون من رعية وغيرهم تبع لذلك.

ونقطة الانطلاق والتأثير في الهرم هنا تبدأ من قمته إلى قاعدته. 

أما الجماعة الثانية فترفع شعار :

"كما تكونوا يولى عليكم".

وبدهي أن هذا التوجه، عكس الأول تماما، وفيه يظهر أن القوة الموجهة لنظام الحكم، تبدأ من قاعدة الهرم، لينطلق تصاعديا إلى هرم السلطة. لتحدد نوع وطبيعة من يحكم، أي أن المواطنين هم من يدفعون بالسلطة السياسية القائمة إلى تبني نهجهم من صلاح مجتمع أو فساده، تخلفه أو تطوره، ويضغطون في كل الاتجاهات، ليكون وفق مقاساتهم، أو بعبارة أخرى، هي أن القائد نموذج من واقع المجتمع. 

يظهر وبشكل جلي، أن لكل من المبدأين نصيبا من الواقعية.

لكن حسب ما يبدو من دراسات اجتماعية ذات الصلة، فقد ربطت نمط الحكم، وما يناسب منه كل بلد، بحسب ما تفرزه جملة من المعطيات في ذلك البلد من بيئة اجتماعية وثقافية وغيرهما، أثناء تشكلها ضمن خارطة مجتمعية، تجاه هذين المبدأين المتناقضين.

ولعل النموذج والمبدأ الأنسب والأقرب لنا ولوجداننا، والذي يتضح أنه يصلح لنا أكثر من غيره؛ هو المبدأ الأول (الرعية على قلب الأمير)

ويعزز هذا الخيار، معطيات كثيرة، سأقتصر هنا على نموذجين اثنين فقط منهما، لحداثتهما؛ 

أحدهما  محلي، والآخر أقليمي.

أما  المحلي، فيتمثل في غرفتنا التشريعية الموقرة التي يفترض أن تكون ممثلة للشعب، وناطقة باسمه وممثلة لنبضه.

وكان من باب الصدف، أن نفس الغرفة التشريعية وأعضاءها عايشوا حقبتي حكم مختلفين، لم يتغير فيهما سوى من يدير دفة الحكم.

لتصلح أن تكون مثالا حيا لما نحن بصدده.

فإذا نظرنا إلى أداء تلك الغرفة في ظل الحكمين الأول والحالي، وقمنا بمقارنات بسيطة؛ يتضح لنا البون والفرق الشاسع بين الأداءين.

فمن رفع لشعارات محاربة الفساد الجوفاء، والتي مورس فيها الفساد بشكل ممنهج، كان نصيبهم منه جانب التقنين، حين أضفوا لكل تلك الممارسات المجانبة للصواب شرعية جعلت السلطة السابقة، تتكئ على سند قوي يبرر تصرفاتها تلك،

إلى أخرى سمتها الجدية والتحقيق في ما طبع الفترة الماضية من فساد، لبناء حاضر البلد ومستقبله على أسس  صلبة، وذلك أثناء تفويضهم للجنة برلمانية أوكلت لها  تلك المهمة، اقتصرت حتى الآن على ملفات محددة، أدت ذلك بمهنية شهد لهم أغلب الرأي العام فيها بالموضوعية والمهنية.

وليرسل البرلمان بذلك رسالة مفادها أنه أهل لكل مهمة تولى تنفيذها، وذلك حين  تتناغم جميع أطرافه  موالاة ومعارضة، سعيا للمصلحة  العامة.

غني عن القول، إنه ما كان ليحدث كل ذلك، لولا إرادة سياسية، تنتهج نهج إصلاح تدرك أهميته، وفي طليعته ضرورة الفصل بين السلطات.

والمثال الآخر الإقليمي، هو ما حدث من تغير جذري في نظام الحكم، ورقي في روندا، حيث قفز بها أميرها الجديد، ليحلق بالبلد وبرعيته بعيدا، وبنفس الشعب الذي  كان يعيش - وبالأمس القريب -  حربا أهلية أهلكت الحرث والنسل، إلى دولة تحقق معدلات متسارعة في مستوى النمو. 

ليتضح من كل ذلك أن توجهات القادة ومدى إيمانهم بوطنهم وتقدمه ورفاهيته، هم من يحددون مؤشر بوصلته.

وإن تطور البلد ورقيه - كل ذلك - رهين بالتوجه الذي تختاره القيادة السياسية، والتي لن يكون مواطنو بلدها عقبة لهم دون ذلك التوجه.

بدافع قناعتهم بأن أهداف السلطة القائمة، هو ما ستسخر له الدولة - في النهاية - كافة إمكاناتها، إضافة لمتلازمة الخوف والطمع التي دأب عليها - للأسف -  شعبنا.

تدفعهم في كل مرة للسعي، إلى تحقيق رغبات وتوجهات وقناعات المسؤول الأول في البلد، والانسياق إليها انسياقا، بل والتسابق لإحراز قصب السبق، في تجسيدها على أرض الواقع، تماشيا مع توجيهات ورؤى القائد الملهم، الذي نرجو أن تكون إلهاماته هذه المرة حقيقة، لامجازا.

والتي بدأت بذروة جهاد تمثلت في حرب على الفساد، تلك الحرب التي إن وفقنا في كسب رهاناتها؛ سيكون لمستقبل بلادنا شأن يوصلنا المكانة اللائق والمفترضة أن نكون عليها. على غرار جميع البلدان التي مرت بذات التجربة، هذا إن لم نكن أحسنها على الإطلاق بدافع جملة عوامل.

ذاك ما نبغي وهو ما نرجو ونتمنى تحقيقه، وبأسرع ما يمكن، وما كل ذلك على الله بعزيز.

2. أغسطس 2020 - 15:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا