في واقع الأمر لا يختلف إثنان علي أن العلوم الإنسانية تعتبر من أكثر العلوم شيوعًا لشمولية تخصصاتها وأهمية مجالاتها. فهي بصفة عامة إستخلاص للتجارب الإنسانية في جميع مناحي الحياة الفكرية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية . ومن هذا المنطلق فإنها تمكن الشعوب من تصحيح مسارها وصناعة واقعها والإعداد الجيد لمستقبلها. وقد ركزت كلية الأداب والعلوم الإنسانية التي مر علي تأسيسها الأن أكثر من أربعة عقود من الزمن في الإصلاحات التي أطلقتها خلال السنوات الأربع المنصرمة علي ثلاثة أبعاد إستيراتيجية هي:
- الإلتزام
- الإنفتاح
- الخلق والإبداع
وقد تم إعتماد ذلك في إطار توجه واضح يأخذ بعين الإعتبار التطورات الإجتماعية المتسارعة التي تجري في العالم من حولنا وإكراهات التطور الصناعي و التقني الذي لا مكان فيه لمن لم يحجز موقعه في الركب بواسطة إستيعابه لعلوم العصر و إمتلاك ناصيتها. وهذا ما فرض علي العلوم الإنسانية والإجتماعية أكثر من أي وقت مضي التكيف مع الواقع الجديد والإسهام الفعال في التنمية عبر تبني مقاربات جديدة للتكوين والبحث وإعطاء الإجابات الفكرية والثقافية والإجتماعية الناجعة التي تؤدي إلي إعداد المواطن الصالح المؤهل لخدمة بلاده بكل جد وإخلاص وتغليبه المصلحة العليا للوطن علي كل المصالح الضيقة. إذن للوصول لهذه الغاية فقد تمكنت الطواقم التربوية والإدارية بكلية الأداب والعلوم الإنسانية بجامعة أنواكشوط العصرية عبر إرادة قوية وصادقة وتصميم منقطع النظير من تحقيق نتائج إيجابية بالرغم من الظروف الصعبة التي عرفها البلد خلال السنوات الأخيرة. وهذه النتائج نجملها فيما يلي:
- مراجعة جميع عروض التكوين بالكلية من أجل ملائمتها مع متطلبات البلد التنموية، بدءًا بعروض التكوين في الليصانص التي شملت جميع أقسام الكلية( الجغرافيا ، التاريخ والحضارة، الفلسفة وعلم الإجتماع ، اللغة والأداب العربية ، الأداب الفرنسية،اللغة الإنكليزية ، اللغات الوطنية والترجمة)، مرورًا بتكوينات الماستر في تخصصات الجغرافيا والتاريخ والفلسفة وعلم الإجتماع وعلوم اللغة و الأداب العربية واللغة الإنكليزية و الأداب الفرنسية و الهجرة والتنمية وأنتهاء بإستكمال مسارات التكوين في الدراسات العليا عبر إستحداث مدرسة الدكتوراه و إقرار نصوصها التنظيمية حيث تضم ثلاث مكونات في تخصصات اللغة والأداب العربية والجغرافيا والتاريخ. وهنا لا بد من الإشادة بالمستوى العلمي الرفيع لأطروحات الدكتوراه التي تمت مناقشتها للمرة الأولي في مجال علوم اللغة والأداب العربية خلال السنة المنصرمة والتي كانت موضع تقدير و إعجاب من طرف أعضاء هيئة التحكيم الوطنيين والدوليين وهو دليل واضح علي كفاءة المؤطرين التربويين وجديتهم في العمل .
الي جانب هذا وذاك فقد قامت الكلية بتبني سياسة تمهين التكوين من خلال دراسة جدوائية سوق العمل وتم علي ضوء ذلك استحداث عدة شعب مهنية في مجال السياحة والبئة والتنمية المستدامة و التنمية المحلية والخدمة الإجتماعية ، كما خرجت الكلية دفعات عديدة في مجال التوثيق و الأرشفة. ومواصلة لهذه السياسة سيتم توسيع عروض التكوين في هذا المجال لتشمل مجالات ، الإعلام و الديموغرافيا والأثار والتراث والأمن الغذائي وتهيئة المجال...الخ وذلك في المنظور القريب إن شاءالله.
علاوة علي ذلك فقد تم تصنيف الكلية بإعتبارها أحسن كليات جامعة أنواكشوط العصرية في مجالات عديدة أهمها:
- الضبطية العالية علي مستوي إعتماد و معادلة الشهادات وفي مجال الهندسة البيداغوجية ،
- الإستخدام المعقلن للمصادر البشرية عبر إقامة نظام معلوماتي شفاف و مرن مكن من تطبيق متابعة دقيقة للعملية التربوية من خلال إلزام الأساتذة بالسقوف المقررة و التعامل مع حالات الغياب المبررة بواسطة تعويض الحصص الدراسية،
- إجراء الإمتحانات والأعمال السنوية في وقتها و إعتماد مقاربات فعالة لمحاربة ظاهرة الغش التي تفشت للأسف في الوسط الجامعي خلال السنوات الأخيرة ،
- المساهمة الكبيرة في تخفيف الأعباء عن مؤسسات التعليم العالي من خلال أستيعاب نسب معتبرة من حاملي شهادة الباكالوريا الذين توجههم الوزارة للتسجيل في مختلف التخصصات بالكلية،
- تسجيل خريجي الكلية نسب معتبرة في مجال الولوج إلي التوظيف من خلال المشاركة في مسابقات الإكتتاب في قطاعات حيوية كالتعليم والإعلام والتجارة و في مؤسسات التعدين والمشاريع التنموية المتعددة. وفي هذا السياق، يعتبر نجاح جل طلاب شعبة البئة والتنمية المستدامة في المسابقة الأخيرة التي نظمتها وزارة البئة خير دليل علي القدرة التنافسية لمخرجات العلوم الإنسانية في المنظومة التربوية لجامعة أنواكشوط العصرية.
وفي إطار السعي لضمان إستمرارية ولوج طلاب الليصانص إلي التشغيل و تحقيق مزيد من الإنفتاح علي اللغات العالمية ، قامت الكلية بالشراكة مع كل من جامعة كليرمون اوفيرن بفرنسا وجامعة محمد الخامس بالمغرب بإقامة مشروع تكوين لأساتذة اللغتين العربية والفرنسية يفضي الى الحصول علي الدبلوم الجامعي لتدريس كل من هتين اللغتين، كما أحتضنت الكلية مركز كونفوشيوس للتكوين و التثقيف في اللغة الصينية في إطار الشراكة مع جامعة هبي الصينية . وفي نفس المنحي تم تخصيص مقعد لتدريس اللغة الفارسية بالكلية ويجري التفكير حاليًا حول الإنفتاح علي لغات أخري مثل التركية والألمانية علاوة علي ذلك فقد تمت المصادقة علي فتح مركز لتدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها خلال سنة الدراسية القادمة بحول الله.
ومن أجل تحسين القدرات في مجال إمتلاك تقنيات الإعلام والإتصال، تعكف الكلية حاليًا علي تجريب منصة للتكوين عن بعد مراعاة لمتطلبات المرحلة التي فرضها إنتشار كوفيد-١٩ وسيتم تكوين الطواقم التربوية علي حسن استخدامها.
إذن بحكم مسؤوليتي المباشرة في الإشراف علي التأطير التربوي والأكاديمي بالكلية فإني أقول إن هذه الإنجازات ما كانت لتتم لولا تظافر جهود الجميع من أساتذة ومسؤولين تربويين و إداريين ، الذين أظهروا كفاءات عالية في تصور وإعداد البرامج التربوية وفي متابعة تنفيذها. وقد تبنت السلطات الإدارية بالكلية منذ الوهلة الأولي سياسة الإنفتاح والتشاور مع كل أطراف العملية التربوية وتحلت بروح الفريق في تأدية مهامها.
و نحن إذ نثمن ما تم تحقيقه من إنجازات في هذا الظرف الوجيز فإننا نتطلع خلال السنوات القادمة إلي تحقيق مكاسب إضافية عبر التركيز علي ورشات أخري مثل ترقية البحث العلمي وضمان الجودة وتوسيع الشراكة مع المحيط الإقتصادي ومتابعة دمج الخريجين .
والحقيقة أنه علي الرغم من الجهود الكبيرة والتضحيات التي بذلت في سبيل إصلاح المنظومة التربوية لنظام تعليمنا العالي، فإن تحقيق الأهداف المرسومة يظل مرهونًا بمدي تحسين مخرجات النظام التعليمي في المراحل الإبتدائية والثانوية الذي ظل ولفترة طويلة يرزح تحت وطأة السياسات التربوية الفاشلة.
وقد عبر رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني عن ذلك ، عندما أكد في برنامجه الإنتخابي "تعهداتي" أن المدخل الرئيس لحل مشاكل البلاد الجوهرية يبدأ بإصلاح منظومتها التربوية.
و من أجل الإسهام في تحقيق هذا الهدف الكبير أعتقد أنه من الضروري مواصلة الجهد في تحسين الأداء وتطوير الحكامة في تعليمنا الجامعي وذلك من أجل الوصول إلي ترسيخ مفهوم الإدارة الجامعية المتميزة في خصائصها و العلمية في توجهاتها و ذات البعد الإستيراتيجي في تعاملها مع الواقع وفي نظرتها إلي المستقل