ظاهرة "التماهي" مع الأنظمة الجديدة، ظاهرة عمت بها البلوى، وعانى منها بلدنا سنين عددا.
وهي سنة دأبت عليها طبقتنا السياسية المتهالكة، فمن "إيفون رازاك" إلى حزب الشعب، فهياكل تهذيب الجماهير، مرورا بالحزب الجمهوري وما أدراك ما الحزب الجمهوري؟
ثم عادل وصولا للاتحاد من أجل الجمهرية، بنسختيه القديمة والمعدلة بتعهداتي.
في كل مرة تبتكر هذه الصقور حتى لا أقول الحمائم، نمطا جديدا من أنماط التكيف والتماهي مع الواقع السياسي الجديد. ينجحون في ذلك أيما نجاح كلما سعوا لذلك، ولا أدل على ذلك من احتضان كل هذه الأنظمة لهم، بل وتبوئهم مكان الصدارة.
بعد أن استعدوا للمناورة يوم الزينة، يكسبون كل مرة رهانها؛ فينالون المكافأة المناسبة مقابل ذلك.
يندمجون في الحياة من جديد ويبدأون "مسارهم الحانوتي"، حتى إذا أفل نجم العهد الجديد.
وأزفت ساعة الحساب واليوم الموعود، فرّ من ملهمه، وعروته الوثقى التي استمسك بها، وعطره الذي كان "يتمسك به" ميمما وجه - حين يرجع بصره كرتين - تجاه السيد الجديد، القابض على السلطة؛ وفي طريقه تلك يفكر بالترياق الأنجع والأنسب والأقرب لقلب الآمر الناهي الجديد.
وما يلبث أن يكتشفه وبسهولة، لأنه لن يعوزه لعامل المهارة والخبرة في ذلك والتي ليته وظفهما في ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، إبان إشرافه على مختلف المرافق التي تولى تسييرها، في الحقبة الماضية!
أتدرون ما آخر ابتكارات تلك الجماعة "جماعة وعادت حليمة...؟
والتي تحاول العودة، للمشهد وإعادة الكَرّة، لركوب الأمواج الجديدة و السباحة مع تيارها، لإيجاد موطئ قدم؟
يتمثل ذلك هذه المرة في تمرير مقال أو سلسلة مقالات، و في كل مرة يمجد فيها الحاكم الملهم الجديد، ويلعن كل ما قد سلف، ويصب عليه جام غضبه، ويتنكر لتسيير تلك الحقبة.
فيفر من صاحبه و فصيلته التي تأوية، ومن كل ماضيه السياسي المشترك، مركزا على كل الإجراءات الاحترازية التي تمكنه من الابتعاد من عدوى النظام السابق، والذي يتناسى أنه غارق فيها لحد الودجين، ساعيا في كل ما يقربه زلفى للنظام الجديد، ومن تلك الإجراءات الاحترازية نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
1- غسل اليدين جيدا من ذلك النظام، ومن أي علاقة يمكنها أن تربط به، وإسماع ذلك للرأي العام.
2- تعصيب العينين ووضع كمامة حتى لايتسرب أو يرى أي إنجاز أو كل ما له علاقة بالحقبة المنصرمة.
3- التباعد السياسي عنها والتنكر لها حتى لاتفهم أي فكرة إعجاب أو اقتراب، أنه حنين وارتباط بتلك الحقبة.
4- إنكار دقة أي تشخيص يظهر، وجود أجسام مضادة في ما يملك من عقارات ثابتة أو منقولة.
وغير ذلك كثير من الإجراءات التي هم أدرى بها وباستغلالها في وقتها المناسب.
كل هذا ليظهر ويتضح للجميع، أن الدافع والمحرك لمعظم هؤلاء السياسيين، ماهو إلا مصالح شخصية، ومحاولة للحصول على نصيب من الكعكة، بعيدا من الحرص على المصلحة العامة -التي هي آخر ما يفكر فيه هؤلاء - بدل السعي في ما من شأنه زحزحة هذا الوطن خطوة، تجاه التقدم والتطور.
هذا الدافع الضيق، هو ما ينبغي أن تدركه وتعيه القيادة السياسية الجديدة وتركز هذه المرة على حرمانهم منه، والسعي لاستبدال هذه الطبقة السياسية بأخرى أنظف وأكثر إقناعا، أوالتركيز في هذه الجولة بدل كل ذلك على الكتل التكنوقراطية.
لعل وعسى أن يكون طالع هذا الوطن على يد هؤلاء التكنوقراط، الذين لايفهمون سوى العمل والعمل المميز فقط.
وهو ذاته ما نحتاج إليه، وقد افتقدناه في الماضي، لنتداركه في الوقت الحاضر، لنستغله في الحال، وفي قابل الأيام، وقبل فوات الأوان.
من يدري!!!؟؟؟