بِذاكَ قَسَمنا الدَهرَ شَطرَينِ قِسمَةً ... فَما يَنقَضي إِلّا وَنَحنُ عَلى شَطرِ
(( قال أبو عبيدة: فأما عبد الله بن الصمة فإن السبب في مقتله أنه كان غزا غطفان ومعه بنو جشم وبنو نصرٍ أبناء معاوية فظفر بهم وساق أموالهم في يوم يقال له يوم اللوى ومضى بها. ولما كان منهم غير بعيد قال: انزلوا بنا، فقال له أخوه دريد: يا أبا فرعان - وكانت لعبد الله ثلاث كنى: أبو فرعان، وأبو ذفافة، وأبو أوفى: نشدتك الله ألا تنزل فإن غطفان ليست بغافلةٍ عن أموالها، فأقسم لا يريم حتى يأخذ مرباعه وينقع نقيعه ، فيأكل ويطعم ويقسم البقية بين أصحابه، فبينا هم في ذلك وقد سطعت الدواخن، إذا بغبارٍ قد ارتفع أشد من دخانهم، وإذا عبسٌ وفزارة وأشجع قد أقبلت فقالوا لربيئتهم : انظر ماذا ترى؟ فقال: أرى قوماً جعاداً كأن سرابيلهم قد غمست في الجادي قال: تلك أشجع، ليست بشيء. ثم نظر فقال: أرى قوماً كأنهم الصبيان، أسنتهم عند آذان خيولهم. قال: تلك فزارة. ثم نظر فقال: أرى قوماً أدماناً كأنما يحملون الجبل بسوادهم، يخدون الأرض بأقدامهم خداً، ويجرون رماحهم جراً، قال: تلك عبسٌ والموت معهم !
فتلاحقوا بالمنعرج من رميلة اللوى فاقتتلوا فقَتَلَ رجلٌ من بني قاربٍ وهم من بني عبس عبد الله بن الصمة فتنادوا: قتل أبو ذفافة فعطف دريد فذب عنه فلم يغن شيئاً وجرح دريد فسقط، فكفوا عنه وهم يرون أنه قتيل، واستنقذوا المال ونجا من هرب.)) "من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني".
أحياناً نقرأ أو نسمع بعض القصص والروايات وبعض الأمثال والحكم، وبدل أن نعتبر بما تتضمنه من أحداث وعبر نتركها تدخل من أُذُن لتخرج من أخرى أحرفاً وكلمات وجمل دون أن تأخذ عندن مكانها في العقل أو ترسم أثراً في النفس عن تجارب الغير، حتى نعيشها- لاحقا- أحداثاً وتجارب في أنفسنا وقتاً آخر، فتنشط أحاسيس وتتحرك فينا مشاعر، وتهيج عواطفَ كنا نحسبها تعطلت أو ماتت. ولسان حالنا يقول كما قال دريد بن الصِّمة وهو يرثي حال قومه حين خالفوا رأيه ولم يأخذوا بنصيحته بعدم النزول في منعرج اللوى:
أعاذل إن الرزء أمثال خالدٍ ... ولا رزء مما أهلك المرء عن يد
أمَرتُهمُ أمْري بِمُنْعَرَجِ اللِّوى – فَلَمْ يَستَبينوا الرُّشدَ إلا ضُحى الغَدِ
وَهلْ أنا إلا من غُزيّةَ إنْ غَوَت – غَوِيتُ وإنْ تَرشُدْ غُزيّةُ أرشدِ
وتبدوا الأمور وكأنها مفاجئة وغير مألوفة ... غير أنها في الوقع ليست كذلك، بل نحن من لا نسمع إلا بعواطفنا وأمزجتنا. وحين يتشكل في التاريخ منعطف أو يحدث في الحياة متغير - وما أكثر ما يتشكل في التاريخ من منعطفات، ويحدث في الحياة من متغيرات- في مواضع متكررة على مرّ العصور، تغدوا الحكم والعبر وكأنها خُصّت بها لحظاتنا وأحداثنا تلك...!!
فما غطفان إلا شعبنا المسكين الذي غِيرَ عليه على حين غفلة وسيقت أمواله... وما أحداث وقعة يوم منعرج اللوى إلاّ التي نعيشها ، وما ضحاياها إلا أبناءنا الذين كنا نمجدهم وننحاز لهم إلى حين لم يعد ينفع الانحياز أمام من جاءت بهم منعطفات التاريخ ومتغيرات الزمن..!!!
فعلاً؛ أتت بهم منعطفات التاريخ ومتغيرات الزمن... وتلك سنة الله في خلقه {{ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم }}(محمد 38 ). وكل المنعطفات والمتغيرات هي عبارة عن ظواهر تحمل معاني وقيماً مختلفة. فما هي تلك المعاني والقيم التي يحملها الآتون عبر عملية الانعطاف والتغيير هذه...؟ وما هي سبل بسط سلطان هذه المعاني والقيم البديلة لتأكيد عدم المماثلة وضمان سلامة المرور عبر المنعطف في اتجاه التغيير المنشود؟
تجيب على السؤال الأول الفقر التالية من خطاب الرئيس الآتي مباشرة بعد تأدية اليمين الدستورية : (( عندما أعود بالذاكرة إلى اللحظة التي قررت فيها الترشح لنيل ثقة الشعب أتذكر بجلاء أن مبعثها الوحيد كان أملا شخصيا في مواصلة خدمة الوطن من موقع جديد، ومع التقدم في مسار الانتخابات ظل ذلك الأمل يكبر ويتسع بتنامى حجم الإجماع السياسي والالتفاف الشعبي حول مشروع الدولة والمجتمع الذي تقدمت به ليصبح في النهاية أمل أمة بأكملها، إنه أمل الفرد في تحقيق ذاته في كنف مجتمع يقدره ويحمي حقوقه، إنه أمل المجتمع في الرقي المنسجم في حضن وطن يضمن له الرفاهية والأمان، إنه أمل الوطن في الازدهار والتطور والتدرج في مصاف الأمم، وبنيل ثقتكم أصبح هذا الأمل التزاما وتحقيقه مسؤولية، وعليه فإني أعول كثيرا على التزام كل مواطن واضطلاعه بمسؤوليته في تحقيق هذا الأمل لأنه أملنا جميعا، وابتداء من هذه اللحظة سنطلق معا على بركة الله وفي كنف من رعايته ضمن مسار تنموي يكون فيه المواطن الموريتاني هو الغاية والمنطلق، ذلكم المسار الذي لن أدخر أي جهد في أن يفضي إل تحقيق آمال وطموحات كل فرد من شعبنا، متسلحا لذلك بإرادتي في البناء وبالتزام خدمة الوطن لا يوازيهما قوة وصدقا سوى إيماني بقدرة الشعب الموريتاني العظيم على مواجهة التحديات وتحقيق المعجزات.)) انتهى الاستشهاد من خطاب:الرئيس محمد ولد الشيخ الغواني 2/ أغشت/2019.
وأما السؤال الثاني وهو العصي على الإجابة والأكثر تعقيدا، إذ تقتضي الإجابة عليه إما الحديث عن: ما هي شروط صلح مأجور...؟ وما هي مبررات أو دوافع نطح معذور...؟ في الحلقة (2) إن شاء الله