تابعت مداخلة للنائب البرلماني عن حزب الإتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، وعن حزب الوئام قبله، والعضو في لجنة التحقيق البرلمانية الدان ولد عثمان في نقاش ملفات النُّقلة التي شهدتها بلادنا خلال 11 سنة من حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وقد ركز النائب في مداخلته على نقطتين عبر في إحداهما عن رضاه وإعجابه بما تحقق للبلد في مجال الطاقة خلال هذه الفترة، وتأسف في النقطة الأخرى على هز، بل وضرب الثقة في بلادنا أمام المستثمرين الأجانب من خلال إقحام شركات إستثمارية في تحقيقات ومتابعات، لا لشيء سوى لأن مزاجا سياسيا تغيَّر، وهذه " السببية " من عندي وليست من عنده، إذ ليس من المتوقع منه إرجاع الموضوع برمته لتغير مزاج سياسي لأن ذلك يتطلب جرأة واستقلالية في الموقف قد لا يمتلكها، ولا نلومه على ذلك لأن غيره ممن كانوا يُطالبون بالمأمورية الثالثة، ومن كانت قبة البرلمان تهتز ضجرا من تطبيلهم لهذه الملفات، وأياديهم تلامس القبة نفسها رفعا وحماسا وتسويقا لها ومُصادقة عليها، لم يمتلكوا تلك الجرأة ولا استقلالية الموقف أصلا حتى يفقدوهما اليوم ويقودوا بنفس الحماس ما يسمونه تحقيقا حولها!!
رئيس اللجنة البرلمانية نفسه لم يكن الرقم 35 على لائحة المأمورية الثالثة فقط، بل وتصريحه إبان انتخابه رئيسا للأغلبية في البرلمان موجود، ويُلخص فيه ما تحقق للبلاد خلال العشرية الماضية ويقول بالحرف إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز حكم البلاد لمدة 11 سنة ترك خلالها بصماته الواضحة على كافة مجالات التنمية، وسلم السطلة لرئيس منتخب.
والناطق بإسم اللجنة هو الآخر كلامه محفوظ في الأرشيف بالصوت والصورة في مواجهة مع النائب السابق المصطفى ولد بدر الدين على قناة الساحل، يقول أيضا بالحرف أن لا أحد كان في تلك الفترة يتجرأ على المخالفات المالية إلا بعد أن يُفكر مائة مرة، ويُدافع عما يعتبره غريمه السياسي في اللقاء فسادا، ويقول إن هناك أوليات البلاد بحاجة إليها ولا يمكن تحقيق ما بعدها من تنمية إلا بالبدء بها كالطاقة والمياه والطرق والمدارس والمستشفيات.. وهذا، يقول، هو ما النظام والحكومة منهمكان فيه، ويقيننا أن هذا لا يزال هو قناعة الرجلين اليوم لولا..!
ولا يختلف بقية أعضاء اللجنة من حزب الإتحاد من أجل الجمهورية عن الإثنين في شيء في هذا المجال، ولا يقل لنا أحد إنهم أو غيرهم من المنخرطين في هذه " الصحوة " فاقوا اليوم أو تابوا، لا والله، فالتوبة لا تُقبل عند " الغرغرة " ولا بعد غلق أبوابها.. ولولا تغير المزاج السياسي العلوي، الذي لا يعرفون إلى اليوم طبيعته ولا حقيقته، لما " فاقوا " ولا تابوا رغم الإخلال بشروط التوبة مما كانوا عليه والتي على رأسها الإقلاع عن التطبيل والتزكية لكل ساكن قصر جديد، إذ أن ما هم عليه اليوم من ذلك التطبيل وصنوفه المبتكرة فاق كل ما راكموه منه عبر السنين رغم قِصر ما مضى من هذه الفترة، ولا جديد فيه سوى أنه شارك فيه معارضون لشخص الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وسُلمت لهم راياته..!
ما عبر عنه النائب البرلماني عضو لجنة التحقيق حول ما حققته البلاد في مجال الطاقة خلال هذه العشرية، وإن كان ليس سوى مكاسب في مجال واحد من بين مجالات أخرى تحققت فيها مكاسب معتبرة، إلا أنه كان به قدر من الإنصاف ومع ذلك لم يضف جديدا وكان ناقصا، إذ لم تكن منشآت الطاقة متقونة ونظيفة كما قال فحسب، بل هي فوق ذلك التي مكنت البلد من فائض طاقوي شبَّك مناطق البلاد شرقا وجنوبا في مناطق الإنتاج الزراعي والحيواني، وها هي كابلاته وأعمدته العالية تنقل جهده العالي شمالا لمناطق الإنتاج المعدني والبحري والواحاتي والسياحي في تيرس زمور ونواذيبو وإينشيري وآدرار لتكون هي الحل النهائي والمستديم لمشكل الطاقة في البلاد، مما جعل حكومة اليوم ليس في برامجها مشروعات طاقوية جديدة كبيرة ولا صغيرة لأن لا حاجة إليها.
غير أن النائب كان مُصيبا، وإن كانت ( ما اتلات أعل شي ) في حديثه عن خطورة العبث بسمعة بلادنا الاستثمارية، وإخضاعها للأمزجة والأجندات السياسية من خلال التوصيات حول اتفاقيات استثمارات دافع عنها برلمان وصادق عليها ليعود ويُحقق فيها ويوصي بإلغائها، ضاربا بذلك في الصميم مصداقية نفسه أولا قبل إن يضرب مصداقية نظام يُراد بالتحقيق ضرب مصداقيته وتشويهه، لتتشوه مصداقية وسمعة إستثمارية لبلد بكامله حصل عليها بعمل طويل وجهد جهيد وسنوات عديدة من الترويج للسوق الإستثماري المحلي ومقدراته، وفي عالم تطبعه الأزمات والإنكماشات الإقتصادية والتنافس الشرس على رأس المال والإستثمار الأجنبيين! وهذه الخطورة عبر عنها نائب سابق في مقابلة صحفية هو النائب عبد الرحمن ولد المراكشي، لكن يبدو أن هذا الجانب غائب تماما عن نوابنا ومن يُحركهم ويستخدمهم، ومن انتبه إليه منهم انتبه متأخرا بعد أن وقع الفأس في الرأس وصدرت التوصيات ب " الإنتقام " من المستثمرين الأجانب لأن هناك من يُراد الإنتقام منه محليا! فلنحقق في ما شئنا من ملفات لكن ما كان من الحكمة ولا الوطنية أن تطمس غشاوة روح الإنتقام والإستهداف على بصيرتنا لننتقم من بلدنا وسمعته ومصالحه!
حتى السفير الصيني عبر عن تلك الخطورة، وإن بلغة دبلوماسية، عندما صرح أن الإستثمارات الصينية في موريتانيا معرضة للإنهيار، قائلا إن شركة " بولي هوندونغ " تعمل بموجب اتفاقية مع الحكومة الموريتانية نالت مصادقة البرلمان الموريتاني وهي تحدد مسؤولية والتزامات الطرفين، وإذا أخلت الشركة بالتزامها فيجب إتباع الطرق القانونية وليس الإشاعات.. ولأنه دبلوماسي أجنبي لا يجوز له اتهام برلمان أو حكومة بلد بتصفية الحسابات السياسية فقد استبدل تصفية الحسابات ب " الإشاعات " واللبيب من الإشارة يفهم إذا كان هناك لبيب! وواهم ومغفل من يعتقد أن الصين على مر التاريخ وهي تُقدم الدعم وتتبرع بالمنشآت الحيوية لبلدنا تقوم بذلك من أجل عيوننا وليس على أساس نظرة بعيدة لعلاقات ومصالح واستثمارات تفضيلية كانت باكورتها، رغم ما يربو على 50 سنة من العلاقات، استثمار في مجال لا يزال بكرا وبحاجة ماسة إلى رأس مال وتكنولوجيا وبنى تحتية لم نمتلكها بعد، ولن تقدمها لنا جهة أخرى إلا بتضحيات وتنازلات ومرونة وصبر، وحتى لو كانت تلك الإتفاقية مجحفة كما يقولون فإن لنا أكثر من طريقة للحد من ذلك الإجحاف غير تداول إسم مستثمر في المهاترات السياسية والتحقيقات، خاصة إذا تعلق الأمر ببلد بحجم ومكانة الصين حاليا ومستقبليا!
الأمر نفسه ينطبق على شركة " آرايز " التي لم تكن هي الأخرى سوى ثمرة لجهود سنوات من العمل والترويج والمنتديات لجلب الإستثمارات، والتي تحدث النائب إيضا في مداخلته عن حجم استثمارها وأهميته للبلد فنيا وماديا.. لكن الغريب ( ليس بالنسبة لي طبعا وإنما بالنسبة لمن لا يعلمون الأسباب ولست منهم ) هو انتقاء ملف العقد مع هذه الشركة والتحقيق فيه والمُطالبة بإلغائه، واستثناء شركة " آفروبور " الإماراتية المسيرة لمطار أم التونسي الدولي، رغم أنها مُنحت تسيير المطار في نفس فترة منح رصيف الحاويات لشركة " آرايز " وثار حولها نفس اللغط، ونفس التهم بالتنازل عن منشأة حيوية لشركة أجنبية، وكانت مدة عقد التسيير متقاربة بين الشركتين، مع أن حجم الإستثمار والعائد الضريبي والقدرة التشغيلية والمزايا الخدمية للبلد بالنسبة لشركة " آرايز " أكبر بكثير مما ستقدمه شركة " آفروبور " ومع ذلك تم استثناؤها من التحقيق، وما ذلك إلا جانب من جوانب التدخل في عمل لجنة التحقيق الذي ينكرونه ويتغنون باستقلاليتها!!
نعم، وكما قال النائب في مداخلته وانتباهته المتأخرة، لا عمل إلا وبه نواقص وأخطاء بسبب انعدام الخبرة، أو سوء التسيير، أو سوء التقدير، أو سبق الإصرار، أو ضغط الألولويات والتحديات، أو بسبب كل هذه العوامل معا، ولم يكن من المتوقع، ولم يقل أحد إن عمل عقد من الزمن يمكن أن يمر دون نواقص وأخطاء وتجاوزات ولنفس الأسباب، لكن بمجرد تركيزنا على الطمس والنسف يفقد عملنا مصداقيته، ويتضح أن أهدافنا وبوصلتنا ليست سد الثقرات ولا تصحيح الأخطاء، فحتى ما مضى من فترة الحكم الحالي، على قِصره، شهد أخطاء وزبونية في صفقات، وشهد تجاوزات في كل البرامج من " تعهداتي" و " أولوياتي "، وشهدتها تدخلات برنامج كورونا، وشهدته توزيعات الأعلاف وغيرها، فقط الساكتون عن التجاوزات اليوم، ولله الحمد، كُثر بفعل سياسة " الإنفتاح " أو الإحتواء..!