بدأت موريتانيا الاستعدادات للاحتفال بمناسبة مرور خمسين عاما على خروج الإستعمار الفرنسي وحصول البلاد على استقلالها، على غرار الكثير من الدول الإفريقية التي تحررت أيضا من هيمنة المستعمر.
ويلاحظ المتتبع أن الحديث اليوم يجري عن فترتين رئاسيتين، فرقهما البعد الزمني وجمعهما التاريخ المشترك لخمسينية الاستقلال وظلت بينهما مساحة فارغة على طول امتداد ثلاثين سنة، انمحت على ما يبدو، من ذاكرة وسائل إعلامنا العامة.
خمسون عاما من الآمال المعقودة على الحرية والمساواة، انتعش الكثير منها على ضوء حركة التحرر الطلابية، التي عرفتها البلاد في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن العشرين، عندما دفعت بالنظام إلى تأميم شركة "ميفرما" وانشاء عملة وطنية (الأوقية)، وبدأ وهجها يخبو مع حرب الصحراء وزحف الرمال وتحكم العسكر في مفاصيل الدولة وتقاسم كعكعتها واعتبارها شاة حلوبا، تدر فقط على كبار المتنفذين والمساهمين في حركة الانقلاب وذوي القربى.
ومع ذلك، كانت هناك لحظات للأمل، في عهد الرئيس محمد خونه ولد هيداله، حينما قررت موريتانيا الخروج من حرب الصحراء المدمرة وإصدار مرسوم لتحرير الرق واعتماد سياسة جديدة للثروة السمكية وقانون للإصلاح العقاري، كانت له تداعيات اقتصادية مهمة على مستقبل البلاد الزراعي، حيث شهدت ضفة النهر،بعد ذلك بسنوات، ثورة في مجال الزراعة المروية.
وشهدت فترة الرئيس ولد الطايع تنفيذ برامج هيكيلة لاعادة الإقتصاد المنهار وانشاء البلديات للمساهمة في التنمية المحلية والتحول نحو النظام الديمقراطي واستعادة التعدية الحزبية وانشاء مجتمع مدني ومحاربة الأمية وتعزيز دور الكتاب، من خلال انشاء 53 دار للقراءة والمطالعة مجهزة بآخر وسائط التكنولوجيا ووسائل الولوج لعالم المعرفة والكتاب، وإقامة جائزة شنقيط وتعزيز دور العلماء والمحاظر واقامة البنى التحتية الضرورية لتحديث الدولة وتطوير الاقتصاد من طرق ومدارس ومنشآت صحية ومائية وكهربائية، شملت كل المدن والقرى والأرياف، بالإضافة إلى إنقاذ شركة المناجم "اسنيم" والعمل على السماح للبلاد للولوج إلى مجال الإنتاج النفطي، من خلال التنقيب والحفر في مياه المحيط الأطلسي، والاستفادة من وسائل الثورة المعلوماتية بإدخال الانترنت ومنح واستغلال رخص لشركات الاتصال..
وكانت أحداث السنغال،على علاتها وعاهاتها، مفصلا مهما في علاقاتنا مع دول الجوار الإفريقي وبداية لإرساء مفهوم جديد لتلك العلاقة، مبني على أساس الندية والمصالح المشتركة وليس على الدونية والتبعية والاستغلال، كما استفادت منه بلادنا في مجال الاكتفاء الذاتي والاعتماد على الكفاءات الوطنية ، بدل تلك التي ظلت تستورد، منذ الاستقلال عن فرنسا، من السنغال.
فإذا كان المرحوم المختار ولد داداه يعتبر مؤسس مشروع استقلال موريتانيا، فإن معاوية ولد سيد احمد الطايع ينظر إليه الكثيرون بأنه المؤسس الفعلي للدولة الحديثة على مستوى انشاء البنى التحتية وارساء مناهج العمل وتطوير القطاع الخاص وتحرير الإرادات الجماعية والفردية في بناء المجتمع والدولة.
ويحسب للذين تعاقبوا من بعده على نظام الحكم (اعل ولد محمد فال وسيدي ولد الشيخ عبد الله) أنهم وعوا مبكرا ضرورة الحوار مع المعارضة والبحث عن أرضية مشتركة، تسمح بتقاسم الكعكة وضمان الاستقرار السياسي، كما سعى كل من اعل ولد محمد فال ومحمد ولد عبد العزيز إلى تحسين أوضاع الموظفين والعمل على تأسيس طبقة متوسطة منهم، بواسطة رفع مستوى الأجور وتوزيع علاوات النقل.
وعلى مستوى الاستثمار وتعزيز البنى التحتية، فقد أهملت أنظمة مابعد 3 اغسطس2005، هذا الجانب المهم في استمرار الدولة وبقائها، باستثناء عشرات الكيلومترات من الطرق المعبدة، التي قيم بها على مستوى العاصمة نواكشوط ومتابعة إشغال طريقي روصو وبوكى، وكيهيدي وسليبابي، ومحاولة ترتيب أحياء الصفيح والمساكن العشوائية،على مستوى مدينتي نواكشوط ونواذيبو، عن طريق التثبيت أو التحويل إلى مناطق جديدة، تقع بعيدا عن مركز المدينة وتغيب عنها، أحيانا كثيرة، وسائل الحياة، فالحي الساكن مازال، ورغم مرور سنتين على تقسيمه، حيا للصفيح بامتياز ولم يعرف بعد بناء مساكن حديثة، تمكن من ضمان حد أدنى للحياة الكريمة، وهو ما يطرح استشكالا حول أهمية توزيع القطع الأرضية على سكان تلك الأحياء الفقيرة مع غياب إجراءات مصاحبة لتوفير سكن لائق؟!
إن الاحتفال بمرور خمسين عاما على استقلال البلاد، يجب أن يشكل قطيعة مع عادة سيئة توارثتها الأنظمة السياسية، منذ انقلاب 1978، تمثلت في محاولة محو الذاكرة والتنكر لكل فعل ايجابي سبقت إليه أحكام أخرى إلا اذا وارت أصحابها المنية ولم يعد في الإمكان أن يبعثوا مجددا، فعن أية خمسينية نتحدث اليوم، إذا تم نسيان أو تناسي أهم مراحلها التاريخية؟!