استبشر الرأي العام الوطني خيرا باستقالة حكومة المهندس إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديّا موازاة مع التقدم الحاصل في ملف التحقيق والذي أثبت ضلوع أعضاءَ بارزين من الحكومة المستقيلة في قضايا فساد كبيرة، وزاد التفاؤل مع تكليف رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني للوزير الأول الجديد السيد محمد ولد بلال، نظرا لما هو متداول من رزانة الرجل وكفاءته الإدارية، ولكونه على الأقل وجها جديدا من غير أوجه العشرية الماضية التي صارت القطيعة مع ركائزها مؤشرا قويا لدى متابِعي الشأن العام على التغيير الجاد والإصلاح.
ويتطلب غالبا اختيار الحكومة في موريتانيا فترة متوسطة نظرا للمحاصصة السياسية والاجتماعية الطاغية على المشهد السياسي في البلاد والتي لها عادة ما يبررها في بلد متنوع ومتعدد الأعراق كبلدنا؛ حيث تعد الشراكة الاجتماعية في المناصب الرسمية عاملا موازيا للكفاءة والأهلية، مع العلم أن هذه المشاركة -شائعة الاستعمال- تكون عادة في الحزب و الاتجاه السياسي ذو التوجه والفكر الواحد حتى؛ وهو ما يؤثر بدوره على إشراك التكنوقراط والنخب الشابة والمستقلة وقادة الرأي الذين تتحمل الأنظمة السياسية المتعاقبة وزر تهميشهم، وعدم إشراكهم إن هم لم يدخلوا المعترك السياسي من بوابة القبيلة أو الشريحة أو الجهة.
وفي الشارع الموريتاني يعد تشكيل أي حكومة جديدة حدثا إعلاميا كبيرا ترتفع خلاله سُقفُ التوقعات بأماني البناء و الإصلاح والتغيير، وإن كانت هذه الأماني في السابق دائما ما ترتطم بواقع يثبت العكس حيث يتم تدوير قُدامى المسئولين الضالعين بملفات الفساد و فضائح التسيير، ويكون الجديد في الأمر فقط هو انضمام أوجه داعمة مُعادٌ تدويرها بتكلفة جديدة ترهق الخزينة العمومية التي لها في بلد كبلدنا من الأولويات مالا حصر له؛ وهي قاعدة نتمنى أن لا تستمر مع جو الانفتاح الجديد وعلامات الإصلاح المبشرة التي يطلقها رئيس الجمهورية من حين لآخر.
و كحقيقة مثبتة لن تتمكن أي حكومة من إرضاء الرأي العام الوطني إن هي لم تسترجع المال العمومي من جيوب الناهبين، أو لم تعالج باستعجال واقع المواطن المعيشي الصعب والذي يتدهور باستمرار؛ وهو أمل يستحيل تحقيقه إن عادت إلى واجهة الحكومة الجديدة بعض أوجه الفساد القديمة التي هي السبب الرئيسي أصلا في تردي الأوضاع وتفاقمها في حكومات سابقة؛ إذ ليس بالوسع معالجة الفساد بالمفسدين!
ومن هذا المنطلق لا يمكن للحكومة الجديدة أن تتمتع بمناخين على سطح واحد
- فإما أن تكون حكومة إصلاح وقطيعة مع الممارسات السابقة
- أو أن تكون نموذجا ضعيفا مترهلا من الحكومات السابقات.
وقد آن الأوان لوزراء الحكومة الجديدة في مسايرة صيرورة التطور السياسي باعتماد برامج سياسية واقتصادية ومهنية جادة للرفع من أداء قطاعاتهم، متمتعين في ذلك بصلاحياتهم المستمدة من مؤسسات الدولة، دون الحاجة للعب دور التزلف والتكرار الممل لثنائية الثمين والتوجيهات السامية.
وقد كشفت الحكومة السابقة للحكومة الجديدة عن ثغرات وأخطاء عديدة تعطي الأخيرة فرصة تفاديها وإمكانية العمل على برنامج الإصلاح الذي تعهد به رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في برنامجه الإنتخابي؛ بدءً بالضرب بيد من حديد على أيدي المفسدين وأكَلةِ المال العام ومقاومة ترويض المتنفّذين وذويهم للقانون ودعم استقلال القضاء مع المساهمة في توفير متطلبات العيش الكريم وإنعاش الاقتصاد الوطني بما ينعكس على حياة بسطاء المواطنين، من دعم المواد الأساسية ومراجعة أسعار المحروقات وزيادة رواتب صغار الموظفين والمحافظة على قيمة العملة الوطنية -الأوقية- والحد من تضخمها المستمر الذي تسبب به النظام السابق في أيامه الأخيرة.
ختاما: يحتاج الشعب الموريتاني إلى حكومة جديدة لديها قطيعة مع نهج الفساد المقنن السابق، وتتمتع بالكفاءة والاستقلالية مع برامج ومقاربات أمنية و سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة وسريعة؛ كما تحتاج الحكومة الجديدة أيضا إلى جبهة سياسية وشعبية واسعة لدفع ومؤازرة التحرك في الاتجاه الصحيح الذي تعيقه علائق ورواسب النظام السابق