كيف انتهى الوضوح وحل الظلام ؟! / التراد سيدي

من أغرب الأمور التي عشتها طيلة حياتي هذا النكوص و التدهور الذي تعرض له وعي الجمهور العربي مذ التسعينات. لقد كانت الخمسينات والستينات مرحلة صحوة فكرية كادت ان تنجز التحرر والوحدة والنهوض مثلما حدث في العالم من حولنا لقد كان الشارع كله تحرريا ونهضويا بماركسييه و قومييه وكان صوت الإسلاميين خافتا لكنه تحرري نهضوي إصلاحي وكان الجميع متفقون على حق الفلسطينيين في أرضهم المغتصبة ومتفقون على حق الجميع في المشاركة في شرف تحرير فلسطين. وجاءت أولا قضية أفغانستان فقامت أمريكا مستخدمة باكستان ونظام السعودية بتوجيه جهد شباب المسلمين ضد الإتحاد السوفيتي تحت شعارات الجهاد في سبيل الله ضد الملحدين الروس وشارك مئات العلماء والدعاة في هذا العمل الذي كان ظاهره نصرة الشعب الأفغاني وحقيقته تحقيق مهام كثيرة تشكل أساس السياسة الإمريكية وهي ضرب عدوها الإتحاد السوفيتي وخلق عدو للعرب والمسلمين بعيدا عن الكيان الصهيوني وإشغال الطاقات الجبارة للشباب المسلم في توجه يناقض توجه الماركسيين والقوميين الذين كانوا يشكلون القوة الرئيسية للأمة وهكذا بدأ الشرخ واستمر ينمو وعند الإنتهاء من العدو السوفيتي وانتفاء الحاجة من الشباب الجهادي بدأت عملية مزدوجة ... من جهة العمل للقضاء على جذوة الجهاد في نفوس الشباب وتهيئة الأجواء لعدو جديد يستهلك طاقة الشباب الجهادية وهو هذه المرة التشيع وبدأت ماكنة الإعلام الجبارة تهيؤ الأجواء لعمل المخابرات والقوة العسكرية لتصفية الحركة الثورية الماركسية والقومية وفي نفس الوقت تهيؤ أسباب الصراع والإختلاف بين الشيعة والسنة ولقد كان النظامان الباكستاني والسعودي في مقدمة هذا المجهود حيث شاركت عشرات الجرائد وعشرات القنوات التلفزية والإذاعات المسموعة في أداء أكبر عملية ( بروباغندا) دعائية لغسل الأدمغة وزرع الترهات والخزعبلات في رؤوس جماهير مرتبكة ومهزوزة بفعل الضربات التي نزلت بالقوة الوطنية والفراغ الذي أحدثته التغيرات الدرامية التي شهدتها بداية الألفية الثالثة فكانت المرحلة النفسية مساعدة لتسهيل تأثير التضليل فشكل ذلك بداية مرحلة نهاية الوعي ... فأصبحت التوجهات نحو الصراع البيني بين الشيعة والسنة وبين العرب والعجم واختلط الحابل بالنابل وانطفأت جذوة الوعي المبني على أسس علمية وانتهى الوضوح في الأهداف وتوقف الزمن !!!؟؟؟ لقد اتحدت دعاية أمريكا واسرائيل و الأنظمة التي تدور في فلكهم في أن الشر كله في إيران وكل من يتفق مع إيران يسمونه أذرعها وصوروا لهم أن الخطر كله يأتي منهم ويجب توجيه كل الجهود إليهم وبذلك حرفوا البوصلة عن وجهتها وأراحوا إسرائيل من معادات الجماهير الغفيرة للأمة و تضامنها مع الشعب الفلسطيني وأصبح بإمكان اسرائيل فعل ماتشاء بالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وكل ذلك بمساعدة أنظمة لا تلقى من الجميع إلا التأييد لأن الجماهير خلق لها عدوها الذي قبل أن تستأصل شأفته لايهمها شيء آخر لقد جعلت إيران هي البعبع وهي الخطر وهي أبو الاحتلالات وأمهم!!!؟؟؟ هذه المرحلة بحق هي أصعب مرحلة عشتها كوطني يرى واقع أمته وجبال الهموم والمظالم التي ترزح تحت ثقلها ويرى حجم الإذلال والاحتقار من طرف أعداء يعيثون في الأرض فسادا وينهبون ويبددون ثرواة أمة غنية وشعوبها فقيرة عظيمة وحالها يرثى له صديقها عدوها وعدوها حليفها ترضى الجهل والفقر والإحتلال ولاتعرف أين تتجه إسلامية وتتصرف بجاهلية تستذكر التاريخ ولاتستلهمه وتشيد بالبطولة وتحالف الخنوع إن حال أمتي يحيرني فهل توقف الزمن؟؟؟

 

8. أغسطس 2020 - 11:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا