ايهما افسد الاخر : الحاكم أم المحكوم ؟ / السيد ولد صمب أنجاي

الفساد ظاهرة قديمة نشرت 

 ذوائبها فى أصقاع المعمورة ' فلا يكاد يخلو عصر من هذه الظاهرة المتعددة الأبعاد ' الإدارية والمالية والايتيكية .

كما يعد الفساد مرضا سرطانيا انتشر في البلدان العالمية انتشار النار في الهشيم ' خاصة فى عالمنا العربي الإفريقي ' المترع ببالونات الفساد الذي لا يبقي ولايذر ' وسعيا منا إلى تنوير الجماهير عن هذه الظاهرة المقيتة؛ حاولنا التطرق الى جدلتي الحاكم والمحكوم من أفسد من ؟ وهل فساد الحاكم يرجع الى المنظومة المجتمعية أم العكس ؟ وهو ما يحتم علينا سبر أغوار هاته الجدلية والحفر فى مفاهيمها الجينيالوجية ' بغية الوصول إلى كنه وحقيقة هذه الثنائية الجدلية ' التى سنصنفها الى معسكرين ' أو جبهتين ' الجبهة الأولى والتى ترى الفساد سببه الشعوب ' بينما ترى الجبهة الثانية أن الفساد يرجع الى الحاكم ليس إلا ؛ ولكلا الجبهتين أو المعسكرين حججه ومبرراته التى يستند عليها ؛ واستئناسا بسؤال قديم / جديد طرح على أحد الساسة العرب عن سبب الفساد الرهيب والمستشري فى أروقة بلاده ؛ حيث أجاب قائلا : إنه بسبب " الاخلاقيات التى يتربى عليها الإنسان في بيئته " ' وهو لاشك أنه يلقي باللائمة على كاهل الشعوب ؛ متهما إياهم بالفساد الذي تعود جذوره إلى خلل أخلاقي اكسيولوجي ' ومبرئا فى الوقت نفسه الانظمة العربية الحاكمة من وحل الفساد ؛ الذي ينخر جسم الدولة من العمق .

والواقع أنه كان حريا بهؤلاء الذين يرجعون الفساد في مجتمعاتنا العربية إلى انحطاط أخلاقي لدى الشعوب أن يعلموا علم اليقين ' أنه ليس هناك شعب صالح وآخر فاسد ؛ لأنه بقدر ما يكون الحكام صالحون ؛ بقدر ما تكون الشعوب مستقيمة هذه هي المعادلة والجدلية ؛ التى لاينكرها مكابر ؛ لان صلاح الحكام مرهون ومرتبط جدليا وعضويا بإصلاح الشعوب ؛ ولذا فإن فساد الحكام والرؤساء يؤدي اوتوماتيكيا إلى فساد الشعوب تماما ؛ كما يحدث لرأس السمكة ؛ فما إن يخرب الرأس حتى يسري المرض إلى باقي أعضائها ؛ وهذا ديدن المجتمعات الفاسدة ؛ فإنها لا تستقيم إلا باستقامة الرؤوس الحاكمة .

وهكذا يتم من طرف البعض ؛ تجاهل أن سبب هذا الداء هو فساد الحكام خاصة فى البلدان العربية والإفريقية؛ التى ماتنفك فى وحل المتاجرة بكل شيء ؛ وحتى القيم الخلقية لم تسلم من ذلك ؛ حتى أضحى الناس يرون حكامهم ؛ وولاة أمورهم تجارا وسماسرة ولصوصا من العيار الثقيل ؛ ولذلك تراهم يلجأون لامتهان السمسرة والرشوة واللصوصية ؛ فيغدو الفساد ثقافة اجتماعية ؛ وكل من لا يمتهن تلك الممارسة يرمى بالمخبول والمعتوه عقليا ؛ وحتى انه ينبذ اجتماعيا ؛ ومما يعضد كون الحكام هم سبب الفساد في البر والبحر مقولة الكواكبي التالية : " أما المستبدون فلا يهمهم إلا أن تستغني الرعية بأي وسيلة كانت " أي أن ما يشجع الشعوب على الفساد والثراء الفاحش هم الحكام المستبدون _ وإن كان العاجز من لا يستبد _ الذين استغنوا بدورهم بكل الوسائل عن طريق التغطية على فساد الأنظمة ؛ وحتى لا يبقى هناك شريف ولا وضيع إلا ولطخوه وورطوه باثم الفساد ؛ وهو ما يتجلى للعيان فى العشرية الماضية ؛ عشرية النهب والسلب والجدب ؛ التى افسدت ودمرت كل شيء بأمر من رئيسها؛ وهكذا تم ترويض المواطن وأدجنته على الفساد؛ بل واغراقه في وحل أتون الفساد ؛ لا لشيء إلا لأن علية القوم قد مارسته ؛ فيطلق العنان لنفسه كي يمارس مهنة الفساد ؛ فيغدو فاسدا ومفسدا حتى النخاع .

فالذين بمارسون الفساد هم متاجرون بمقدرات وخيرات لا الدولة وحدها ؛ بل الوطن بأكمله أيضا؛ ويعملون على ارتهان حاضر ومستقبل البلد مقابل الحصول على دريهمات تجارية واقتصادية ؛ فكيف نلتمس من المواطن ألا يسرق إذا كان يرى بأم عينه حماة الوطن المزعومين ؛ قد حولوه الى مزرعة خاصة وأملاك خاصة وعاثوا فيه الفساد بكرة وعشيا ؟ وكيف نريد من  المواطن حماية المال العام؛ إذا كان السواد الأعظم من الحكام لا يفرقون بين المال العام والخاص ؛ بل إنهم يحاولون الإفلات من العقوبة والمحاسبة .

 ولهذا يكون فساد الدولة والفساد بشكل عام راجع إلى فساد الحكام لا الشعوب ؛ لأن فساد الرعية من فساد حاكمها ؛ وهو ما يتحدد من خلال المقولة القديمة / الجديدة " كما تكونوا يولى عليكم " ؛ وحيث يمكن اعتبار المقولة صحيحة فى محتواها ؛ إلا أنها تبرئة للحكام من مسؤولية الفساد والتخلف ؛ الذي تتخبط فيه شعوبهم ؛ وإلقاء اللائمة على الشعوب البريئة؛ التى ربما تكون فاسدة ؛ لكنها زادت فسادا بوجود الفاسدين المفسدين من الحكام وحاشيتهم ؛ كما أن هناك مقولة أخرى وهي " إن الناس على دين ملوكهم " وهي مقولة يتسلح بها أصحاب نظرية فساد الشعوب من فساد الحكام؛ باعتبار هؤلاء الحكام هم قدوة ومثال يحتذى وهم الناظم لحركة المجتمع والمتحكمون فيه سلوكيا ؛ بل وهم دينامو شعوبهم ؛ فالحاكم الفاسد يحتاج إلى رعية فاسدين ؛ فهو لا يستطيع أن يستمر في الحكم في بيئة صالحة ؛ لأنها ستقاومه وتقارعه بشراسة ؛ وربما تحاول اسقاطه من عل ؛ ولذا كان حريا بالحكام محاولة تنويم شعوبهم مغناطيسيا ؛ أو بمخدرات الفساد وتصفيدهم وتوريطهم حتى يمتزجوا بآفة الفساد الفياض  .

 

 

اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد 

9. أغسطس 2020 - 14:58

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا