آنس موسى نارا، فسعى ليأتي بقبس منها لأهله، لعلهم يصطلون.
إن كان هذا نهج كليم الله، فلم لا نحذو حذوه، حين نرى قبس إصلاح يلوح في الأفق، فما المانع أن نتعلق بتلك الومضة؟
ومضة أمل عل وعسى!.
خاصة إن علمنا أن أول طريق لحلم الوطن الموعود، يجب أن يكون في ذات الاتجاه، "حرب لاهوادة فيها على الفساد".
أما عن كونها جدية، أم لا؟.
فتلك مسألة، طهر الله منها أيدينا؛ فلنطهر منها ألسنتنا، ثم إن المطلوب منا - نحن- معشر المواطنين البسطاء، هو الحكم بظاهر تسيير الدوله. والله يتولى سرائرها.
و ما دمنا قد جربنا تسييرها من ذي قبل، برفع شعار محاربة الفساد جهارا ودون جدوى، فلم لانعاود الكرة في تجربة أخرى، مع هذا الشعار؟
سيما إن كان هذه المرة دون ظواهر صوتية، وريئت الأفعال، قبل الأقوال.
إن التشكيك في كل شيء ووأد حلم مفهوم الدولة، مبدأ و منهج استمرأه البعض ومرر من خلاله أهدافه ومصالحه الشخصية، حتى يفقد المواطن الثقة في كل شيء؛ الوطن، مفهوم الدولة، السلطة القائمة، اقتصاد السوق...
ولانعدام تلك الثقة؛ بالغ الخطر والأثر على الدولة ، حاضرها ومستقبلها.
لتتلو ذلك، أطروحات حق يراد بها باطل.
ومن ذلك ما يروج له هذه الأيام من ضرورة ترك القضاء ليقول كلمته الفصل في ما يجري من تحقيقات، وحتى إذا ما تبين خيطها الأبيض من الأسود قيل - حينئذ - القضاء مسيس.
إن أصحاب الدولة العميقة نخروا جسم هذا الوطن فسادا سنين عددا.
وجعلوا منه شاة بفيفاء لك أو لأخيك أو للذىب.
ولم يراعوا في تسييره إلا ولا ذمة، بعد أن مصوا دماءه.
أضف إلى ذلك أن هذه المسلكيات التي دأبوا عليها كل هذه السنين، صارت شنشنة متجذرة عندهم، لدرجة أن أصبحت لبعضهم، مسألة حياة أو موت.
ولن تكون محاولة نزع مخالب تلك الوحوش الكاسرة، عن الفريسة من السهولة بمكان أو بتلك السلاسة المفترضة.
لكن القرارات المصيرية، لها أثمانها.
وإذا كانـت النـفـوس كبـارا
صغرت في مرادها الأجسام.
والأغرب أنه وبعد، سعيهم لتسفيه حلم الطبقة المغلوبة على أمرها في حقهم للحصول على وطن عدالة وقانون وتسيير شفاف، ومحاسبة ودولة مؤسسات يتساوون فيها جميعا مع غيرهم، ويسعى فيها بذمتهم أدناهم؛ يعمد هؤلاء إلى طمس كل ما جمعوا من ثروات وممتلكات ثابتة ومنقولة، برا وبحرا وجوا، في الداخل والخارج، ومن غير وجه شرعي، في محاولة للظهور بمظهر القانت الزاهد المتبتل، على خطى الخليفة عمر الفاروق، رضي الله عنه وأرضاه.
وقد نسوا أو تناسوا ما قيل قدما:
"أبت الدراهم إلا أن تمد أعناقها".
لقد حبانا الله، بدولة لها مقومات بقاء، بها ثروات طبيعية متنوعة ومساحات شاسعة وأراضي خصبة، بعدد سكان محدود.
ولا أدل على تلك المقومات من أن دولة منذ أمد ومعظم أبنائها لا هم لهم بشكل يومي غير ما يحصلون عليه من حوافز من هذه الوطن، دون مردود من خدمات - على تواضعها - تقدم له، ومع هذا مازال هناك بقية من وطن.
لقد بدأت بشائر ريح محاسبة - لولا أن تفندون - تضيء في آخر النفق، نأمل أن تضع حدا لتلك الممارسات القديمة، والتي أهلكت الحرث والنسل، ولتؤسس لحقبة جديدة قوامها، احترام المال العام، وإدراك المسؤول أن المحاسبة في انتظاره حال اقتراف أي تجاوز مهما كان نوعه. مستشعرا عظم الأمانة وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه.
ليخطو الوطن خطوات متسارعة في طريق ركب الأمم، الذي تأخرنا عنه وبقينا في مؤخرته ردحا من الزمن، بما كسبت أيدي بني جلدته.