موريتانيا: فشل وساطة وملامح مرحلة / سيدي ولد سيد احمد

altانتهت الوساطة السنغالية قبل أن تؤتي أكلها رغم تشبث السنغاليين باستمرارها، دون أن يلوح في الأفق  أي حل سياسي لإخراج البلاد من أزمتها السياسية وعزلتها الدولية التي باتت تهدد كيانها وحاضرها ومستقبلها.

لقد فشلت المبادرة السنغالية لأن ظروف الحل السياسي لم تنضج بعد، فمازال العسكر يراهنون على انتخابات يونيو ويعتبرونها حلا سحريا، سيمكنهم من الحصول على الشرعية في الداخل والعودة من جديد إلى حاضنة المجتمع الدولي، في إطار لعبة يتحكمون في مفاصلها ونتائجها، وهم الذين يتخوفون من أي توافق وطني، قد يفضي إلى انتخابات شفافة، يصعب معها تقدير النتائج وبالتالي ضمان البقاء في السلطة. 

فخطاب حركة التصحيح لم يفلح في تحقيق اختراق شعبي مهم يكفل لقادة انقلاب السادس من أغسطس العودة إلى السلطة عبر انتخابات شفافة ونزيهة، فسرعا ن ما تآكلت شعارات محاربة الفساد والدفاع عن حقوق الفقراء والمستضعفين لتتحول إلى مجرد جعجعة بدون طحين، ففقراء "مكبات نواكشوط" مازالوا ينتظرون وعود الرفاهية، وسكان الطينطان ما زال  يراودهم حلم إعادة بناء مدينتهم التي جرفتها السيول، والأسعار مهددة بالارتفاع نتيجة النقص الحاد في العملات الصعبة وفقدان العملة الوطنية لنسبة 17% من قيمتها خلال الشهور الثمانية التي مضت من عمر الانقلاب، والإدارة باتت جهازا معطلا لا يحرك ساكنا في ميدان التنمية والاستثمار وفي مجال الأرض والإنسان.

فالمكاسب التي حققتها حركة التصحيح في الأشهر الأولى في مجال تخفيض الأسعار والسعي لمحاربة الفساد، بدأت في التلاشي والاضمحلال، فانهارت الجبهة المؤيدة للانقلاب، حيث تراجع حزب المعارضة الرئيسي عن دعمه للعسكر وأصبح أحد أقطاب النضال من أجل عودة الشرعية، وخرجت أحزاب  وشخصيات مهمة من تحت قبة المجلس العسكري ليطالبوا بحل توافقي وليعلنوا براءتهم من مشروع انقلاب السادس من أغسطس، وبدا مشروع حركة التصحيح مجرد شعارات سرعان ما اندثرت تحت رمال هذه  الصحراء المتحركة، وتحول الإصلاح المنتظر إلى مجرد تصفية حسابات مع الخصوم السياسيين وتقاسم كعكة الحكم بين النافذين من أصحاب الانقلاب، فأصبح للنواب وزراء ومدراء يأتمرون بأمهم وينتهون عما نهوا عنهم، وهو ما يتناقض مع مهمتهم التشريعية، فكيف يمكن أن يكونوا خصما وحكما في نفس الوقت.

وتم تهميش دور البرلمان وأصبح مجرد غرفة لتسجيل مشاريع القوانين، وأفرغت الإدارة من كفاءاتها الفنية واعتمدت معايير الولاء والقرابة لتحل محل الكفاءة والخبرة في تعيين واختيار  الموظفين.

كل هذه العوامل زادت من نقمة الشعب، وعمقت الهوة بينه وبين  أصحاب مشروع حركة التصحيح، وأعادت إلى الذاكرة شعارات رفعت من قبل، لم تحقق لا عدلا ولا ديمقراطية، ولا أنقذت بلادا ولا خلصت وطنا من وحل سوء التسيير والمحسوبية وغياب الرؤية  الإستراتجية في بناء الدول.

ويبدو خطاب مشروع حركة التصحيح يراوح مكانه وهو على أبواب انتخابات 6 يونيو (حزيران)، عبر تبني ثنائية محاربة الفساد والرفع من مستوى المعيشي للسكان مع غياب البرنامج  والإمكانيات والخطط الكفيلة بتحقيق مشروع للعدالة والتنمية المستدامة، فقد تحول القضاء إلى مجرد أداة في يد الجهاز التنفيذي حسب التقرير الذي أصدرته نقابة المحامين وغابت المشاريع الكبيرة والمهمة بفعل الحصار المالي والاقتصادي الذي تخضع له البلاد منذ شهر أغشت الماضي، وخفضت ميزانية التسيير بنسبة 25% في الربع الأخير من سنة 2008 وبنسبة 40% من ميزانية 2009، مما كانت له انعكاسات سلبية على أداء المؤسسات العامة ودفع الرواتب وتسديد تكاليف التسيير، في بلد تعود الموظفون فيه على التحايل على المال العام مهما بلغت الرقابة المالية من الصرامة.

 ويبدو أن  الرهان على انتخابات 6 يونيو (حزيران)، للقضاء على العزلة الدولية والعودة بالبلاد إلى الشرعية الدستورية، يبقى ضربا من ضروب الخيال في ظل رفض المجموعة الدولية للمبدإ إجرائها، قبل إيجاد حل توافقي يضمن المشاركة الواسعة لكل أطياف المشهد السياسي، فهي لن تجري في ظل نظام ديمقراطي يسمح للمعارضة بالمشاركة أو بالمقاطعة وإنما يأتي تنظيمها،هذه المرة، في إطار سباق لتشريع انقلاب السادس من أغسطس، ولا تمكن مقارنتها بانتخابات  1997 التي قاطعتها المعارضة، في وقت  كانت تحظى فيه  بدعم دولي ويديرها  نظام شرعي.

إن انتخابات 6 يونيو، في رأي معارضيها، تشكل حلقة جديدة من الانقلاب على خيار الشعب الموريتاني، وعلى مؤسساته الدستورية، وعلى أمنه، وعلى استقراره، وعلى كل الإنجازات التي حققها في ظل المسلسل الديمقراطي والقبول بالتحاكم إلى صناديق الاقتراع،  كطريقة حضارية للتبادل السلمي على السلطة ورفض السيطرة  بالقوة الذي أصبح نهجا ممقوتا ولم يعد مقبولا في ظل النظام الدولي الجديد.

إن انتخابات يونيو هي تحد جديدة للإرادة الدولية ، التي طالبت بضرورة الجلوس على طاولة واحدة،  للبحث عن حل توافقي، يضمن احترام الدستور وشفافية الانتخابات وتباركه كل الأطراف الثلاثة المعنية بالأزمة، وبالتالي فإن أي خروج على هذا النهج سيتحمل أصحابه نتائج العزلة والحصار الذي تعانيه البلاد منذ 6 أغسطس الماضي، والذي كبد الاقتصاد الوطني  خسائر كبيرة سيظل يدفع ثمنها لسنوات قادمة.

إن هذا الظرف الدقيق من تاريخ البلاد يستوجب حضور كل الإرادات الطيبة والقادرة على صنع الوفاق والتعالي على الجراحات ونسيان المصالح الخاصة من أجل انقاذ بلد من التدحرج نحو التيه والضياع، ويومها لن تنفع مصالح تحققت لهذا الطرف أو ذاك في ظل الإقصاء وغياب منطق الدولة والقانون.

إن حصار بلد يعاني أغلب سكانه أصلا من الفقر والجهل سيعمق هذه الظواهر الخطيرة وسيفاقم من عوامل النقمة والخلاف السياسي بين مختلف مكوناته ومشاربه، ولكن يبقى الأمل كبيرا في أن يسود صوت العقل، وأن تستجيب الأطراف للمساعي الدولية الجادة والحريصة على تحقيق وفاق وطني يخرج البلاد من مآسي العزلة الدولية ويعيد لها مكانتها في المجتمع الدولي.

25. مايو 2009 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا