بداية أغسطس الجاري نكون نيّفنا على سنة من حكمِ الرئيس الحالي بعد تبادلٍ سلميٍ على السّلطة يكاد يكون بلا مثيلٍ في بيئتنا العربية.
وبناء عليه وبعيدا عن الثّناء الأعمى خلق ذلك التحوّلُ مناخا غلبَ عليه الإيجابُ مباركةً في مشهديّةٍ انتخابية سلمية حاول دعاةُ المأمورية الثالثة إرباكَها .
أما الترحيب بالتحوّلِ هذا فمردُّه عند البعض إتاحة فرصة المشاركة وردّ الحقوق والإنصافِ عند آخرين اعتقدوا أنهم نُسوا من معروف الحكم المنصرم .
كما أن طبقة الضعف العريضة التي أنتمي إليها بكلّ اعتزازٍ –ومن مصلحتها اللّين السيّاسي -وجدت ضالتها في إقامة حكمٍ منتخبٍ في جوّ هادئ كاد السّفهاءُ أن يجعلوا منه مدعاة للتشرذم والفتن السياسية .
ولما انهينا أشهرا دخلت البلاد مناخا طبعته المسالمة السياسية والانفتاح بين الجميع وعلى الجميع حتي ظُنّ وقتها أن المعارضة والأغلبية قد تناغمتا فعلا .
وللتذكير وقياسا على المألوف فلا مانع من تحوّل المعارضِ إلى الموالاة لأن من يجيدُ فنا يجيدُ ضدّه بالضرورة,من يجيد المدْحَ مثلا يجيدُ الهجاء وهكذا...
ثم عبرنا الإشكالية المسماة بالمرجعية التى أيضا عزفَ عليها كثيرون ليتبين أخيرا أن مرجعية الحزب الحاكم هي للدّولة وأن ذلك ديدنها منذ الأزل.
وفي هذا الجو البادئ في الشحن نسبيا دخل البرلمان لأوَل مرّة على الخط لممارسة عمل الرقابة المُدَسْترِ أصْلا.
هنا أيضا تضاربت القراءات بين من يرى أن للرئيس حصانة باقية ومن يرى أنها تنتهي بانتهاء الحكم.
وحيث لم يُحسَم هذا الفصلُ لصالح أية جهة أرى أن المشرَع قد أصابَ في جعْلِ شيء من الميعة حول هذا البند وليُنْظَرَ بمقتضى الحال صونا للمصالح العليا ودرءً لأية فوضي محتملة تتولّد عن أي قرار حاسمٍ فتُرك الأمرُ للاجتهاد مصلحةً لا نسيانا.
وبالفعل تم تشكيل لجنة تحقيق مخْتلفٍ على توجهاتها أيضا, من يري أنها لحاجة في نفس يعقوب ومن يعتقد أنها تزاول عملا رقابيا في صميم صلاحياتها.
وباستدعائها للرئيس السابق ظهر خلافٌ بين فقهاء القانون حوله أيضا فالبعض يري أن الرئيس السابق تستدعيه المحكمة السامية.
وبالفعل تمت المصادقة على قانون معدّلٍ لمحكمة العدل السامية على أن يتم تفعيلها لاحقا .
ولأن لجنة التحقيق محكومةٌ بأجندة معينة فقد طلبت توسيع تحقيقها في ملفات معينة وهنا أيضا رأي البعض أنها كان ينبغي أن لا توسّعَ وتقدم تقريرها بمقتضى النظام الداخلي للجمعية الوطنية .
وقد رفع البرلمان هذا التحقيق إلى وزارة العدل وهو الآن بيد الإدّعاء العام الذي أحاله لشرطة الجرائم الاقتصادية التى بدأت استجواب بعض المشمولين .
وهنا أيضا يطرح البعض الإشكالَ المتعلّق باستدعاء رئيس الجمهورية من قبل هؤلاء وهل يلبى الدعوة أم لا ؟,ثم ما هي خطوات المسلسل القادمة ؟
ومن جانبها الحكومة وعلى لسان رئيس الجمهورية تَجْهَرُ بأن لا دخلَ لها في الجاري وأنها تحترم فصلَ السلطاتِ وملتزمةٌ بأن لا تتدخل بأي حال.
لكن الواقفين في الجانب الآخر من الوادي يرون أنها ليست ببعيدة عن ما يجري إن لم تكن وراء فصوله .
ومن دون شك سيزيد الكلّ من الوَحْلِ وقد يؤثر على التحالفات السياسية مستقبلا خاصة مع ورود أنباء تفيد بان ولد عبد العزيز بصدد العمل السياسي من خلال حزب سياسي يعتمده .
أسئلة تبحث عن أجوبة:ما الأسباب الكامنة وراء الضباب الطاغي على المناخ العام الحالي ؟
وهل له تأثيرمّا قليلٌ أو كثيرٌ في حالِ تفاقم على الوضع العام ؟
وكيف ستنتقل مجموعة كانت في الحكم إلى معارضة في أقل من سنة ؟
أسئلة كثيرة بحاجة إلي أجوبة مع العلم أنه في السياسة كما الفلسفة تكون الأسئلة أهم من الأجوبة.
لا شكّ أن البلد أحوج لوضوح الرؤى منه إلى الدهشة والحيرة وأنه من واجب الجميع التباري في ما ينفع الشعب المسكين.
آمل أن أكون به فتحتُ شهية مثقفي البلد -وما أكثرهم -وساسته لبدءِ نقاش حكيم تُنْجي خُلاصا تُه من مكروه السياسة .
أدام الله عافيته على الجميع...