كان الوقت أصيلالا حين أشرأبت الأعناق نحو الأفول لمسامرة تلفاز مفقد لشهية المتابعة .. مرمد للعين الثاقبة مزعج للأذن المصغية .. لفرط ما تنوء به من تفاهات و سخافات .
و ذلك لمتابعة جديد السياسة و قياس نسبة الكياسة في شارع لا يكترث كثيرا لصراع الكبار بقدرما ينشغل بجهاده الأكبر في الكدح من أجل البقاء .
غاصت الكلمات في بحر لجي من الشائعات و غصت المنابر و الحناجر بعنتريات العاجزين عن تبرير الواقع، و عن تمرير خطابات العهد و الشرف و الوفاء في زمن باتت كل المفاهيم فيه مغشوشة .
أراد "الزعيم" أن بخرج و يسلك طريقا كان يظنه قد عبده بالمال و القانون و لكن هيهات .. لم يسلكه قبله زعيم عربي أو إفريقي زال سلطانه -مريدا أو مكرها- إلا تبلل في مستنقعات السياسة الآسنة أو غاص في وحلها العفن .. و رمته بغثها و زبدها ..
لقد تلطخت السمعة و خدش الحياء و كسرت الهيبة ؛ فانكسر الكبرياء و أزفت ساعة الحساب .
لكن التجاهل و التمادي ظلا يسيطران على النفس المثقلة بتضخم الأنا؛ لتقود صاحبها نحو مقصلة الكبرياء المعلقة أمام كل بيت موريتاني أصيل .
وغير بعيد من تلك المقصلة توجد مشنقة الضمير تنتظر غائبا فر من كل جسم أتخمته المناصب و المكاسب و الامتيازات . في عشر خلت من النماء و البناء .
ولكن مع هذا كله فقد تعالت الزغاريد هنا للزعيم الموقوف و لعلع الرصاص هنالك في الشرق للوزير الملهوف ...
و أمام هذه المشاهد الدرامية بت أكاد أسمع ترنيمة مؤازرة لمن غيبهم الحرمان عقودا من الزمن، و أسمع طقطقة حبات سبحة عتيقة ورثها عمرو عن زيد في جوف صحراء لم تكن تنبت غير الصبر و الزهد و العهد .
و كأن بنان عمرو تلك تناجي بعضها بعضا في صخب لا يخلو من مكر سياسي ممزوج بعهد غير واضح المعنى و وعد مبهم المبنى يقول في حزم نادر : "بكل خرزة من هذه السبحة سيفتح ملف و بكل شاهد فيها سيغل فحل" .
مما يؤكد بجلاء أن الأحداث تتجه بجدية تامة نحو التصعيد . و لن ينفع معها تصعير الخد ، و لا شيطنة بعض الحركات الفكرية في ساحتنا السياسية .