لم أكتب يوما عن السياسة ولكن الأحداث المتسارعة فرضت علي كغيري من المراقبين أن أدلي برأي قد يكون صائبا وقد يكون خاطئا ذالك آن الكتابات التي اطلعت عليها حول الموضوع لم تتطرق لبعض القضايا الجوهرية وسأحاول أن ابينها في هذه العجالة:
منذ استقلالها عن فرنسا 28نوفمبر 1960م وموريتانيا تتجاذبها أنظمة مدنية و ديكتاتورية وعسكرية وكانت الكلمة الفصل فيها للعسكر...
بعد الانقلاب العسكري 1978م بقيادة المصطفى ولد محمد السالك الذي أطاح بأول حكومة مدنية برآسة المختار ولد داداه توالت بعده الانقلابات تباعا بمعدل سنة لكل انقلاب حيث ازيح من طرف العقيد ولد احمد لولي سنة 1979م
في سنة 1980م قاد المقدم محمد خون انقلابا على سلفه.
وبعد اربع سنوات ينقلب العقيد معاوية ولد الطايع على الحكم سنة 1984م ثم يحدث استقرار نسبي دام لعقدين من الزمن ....
في سنة 2005م انقلب محمد ولد عبد العزيز على الرئيس معاوية ولد الطايع...
في سنة 2007م تجرى انتخابات رآسية ويفوز فيها رئيسا مدنيا هو سيدي ولد الشيخ عبد الله وتم تسليم السلطة للمدنيين من طرف العسكر برآسة العقيد اعل ولد محمد فال رحمه الله.
في سنة 2008م يزاح الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله بواسطة محمد ولد عبد العزيز ويعيدنا إلى المربع الأول انقلابات السبعينات والثمانينات...!!
ليدخل بعد ذالك في انتخابات ويفوز فيها بمأموريتين استمرت عشر سنين...وهي المدة التي يمنحها الدستور الموريتاني للرآسيات..
وعندما انتهت مأمورية الرجل ونظمت انتخابات فاز فيها الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني وتبادل الرئيسيين السلطة في تناوب ديموقراطي غير مسبوق ...
تنفست موريتانيا الصعداء مستبشرة بغد مشرق بفك الارتباط مع الانقلابات وعدم الاستقرار !!
إلى دولة المؤسسات والتنمية المتكاملة.. ولكنها تفاجأت بعودة الرجل من جديد إلى المشهد السياسي وتتفاجىء أكثر وتندهش عندما يناط اللثام عن فساد كبير في عشرية الرئيس السابق حسب لجنة برلمانية شكلت لهذا الغرض..
ويمثل هو نفسه أمام لجنة التحقيق في حادثة غير مسبوقة في المنطقة فالقادة الأفارقة والعرب غالبا مايمثلون أمام القضاء من السجن بعد انقلاب عسكري..!!
وهذا مكسبا ديموقراطيا لموريتانيا يتحقق اليوم.!!
فهل توظفه وتنطلق إلى مجالات أخرى بعد أن تخطت العقبة الاهم؟!
ثم آن سرقة المال العام تجد لها سندا في الفقه الموريتاني ففتاوى الزوايا حول مال حسان " أصحاب السلطة" آنذاك الذين يسمونهم مستغرقى الذمم، وبعد حسان مال النصارى والذي يسمونه" مال هوش " أوجد تأسيسا دينيا طريقا بجواز الأخذ من المال العام...
وقد لانستغرب أن أرضية مثل هذه أنتجت بعض الأحكام الخطيرة المبنية على اجتهادات تقبل أو ترفض في سياقات تاريخية معينة؟!!
ونحن نرى أن هذه الأحكام والفتاوى الشرعية مازالت على حالها خاصة في ظل غياب البحث وآلياته.. وندرة التأليف والنشر وفقه الواقع,,,,
إن هذه الفتاوى فقدت كل أساس كانت تقف عليه، فلم تعد السلطة في أيدي أمراء "حسان" ولم يعد مفهوم "الزوايا" كما كان آنذاك.
أضف إلى ذلك أن الطائفتان إنما هما جزء من المجتمع الموريتاني المتعدد الأعراق الذي يعيش تحت ظل الجمهورية الإسلامية الموريتانية، كسلطة مركزية، تحقق الملكية العامة في كل ما كان من مرافق الجماعة، وعن الضروريات للحياة العامة، وتتولى عن الجماعة شؤونها ووسائلها.
وإن كانت هذه الاجتهادات قد أدت دورا تاريخيا معينا، فقد تعداها مد العلم والثقافة، ومن الخطأ أن نظن أن أخبار السلف هدف ثقافي يقصد لذاته كمتعة عقلية، دون أن يكون وراء ذلك مشروع إنهاض، وخطة توعية من أجل صنع الحاضر، والتأثير في الأجيال القادمة.
وما ننشده هو رؤية إسلامية تقف على أرضية شرعية، وتتأطر بإطار ديني، لذا يجب اعادة النظر في ثقافتنا كلها، أعنى ثقافتنا الذاتية لننفذ منها ما ليس له رصيد من هداية الله وهذا دور العلماء والفقهاء.
ثم إعادة الثقة في الثقافة، والمثقف، والاستفادة من أصحاب العقول، وتوظيفها، وتنميتها، ومساعدة أصحابها، على النهوض والتغلب على العراقيل التي تعترض سبلهم.
ولن يتحقق هذا ألا بتدخل من رئيس الجمهورية شخصيا الذي يبدوا أنه جاد في التغيير. لأخذ زمام المبادرة حتى تنعم موريتانيا بالاستقرار والازدهار الذي حرمت منه منذ عقود.