لقد عرفت محمد بن عبدالعزيز عندما كان مرافقا عسكريا للرئيس معاوية بن سيداحمد الطائع وقد بعثه لي في آخر الثمانينات في بداية علاقات بيننا كان هو المبادر بها تضمنت أمورا مهمة كدت أصل فيها مع معاوية إلى مافيه خير الوطن وكان محمد مطلعا على كثير مما بحثنا وكان في المسائل التي اختلفت فيها مع معاوية يتفق معي في أغلبها ولقد كنت أريد أن يقبل معاوية أننا لسنا انقلابيين ولا نحمل عدائا له وكلما نريد الأمان ونضمنه من جانبنا . لقد كان معاوية يقبل رأيي مع شيء من التحفظ جعله يطلب معلومات وضمانات وحاولت وكنت واضحا معه وصادقا رغم أنه لم يرى ذلك أبدا أنني في المعلومات لست أكثر منه معلومات في الموضوعات التي تهمه وفي الضمانات لا أستطيع ضمان إلا نفسي وكلمتي وأن لدي رفيق يملك من العقل والحصافة مايجعلني مطمئن إلى إمكان تفهمه لصوابية فكرتي وأنني أعتقد أننا الإثنين نشكل ضمانة له فأخرج لي معاوية وثيقة لاأذكر هل قال أنها من المخابرات الفرنسية أو جهة فرنسية أخرى تتحدث عنا في البعثيين وتصفنا بالفارس الأسود لذا هو يثق في قدرتي لكنه لايسلم بصحة رأيي الذي أبديت لقد اعتبرت ذاك الوقت أن محمد بن عبد العزيز أفضل رأيا و أوسع فكرا من معاوية و أعلي بن محمد فال رحمة الله عليه ولقد أعجب بمقاومتي لمعاوية وأعلي وتعاون معي و زودني بمعلومات واسعة حول المجهود الذي بذلوه داخل تنظيم البعثيين العسكري وعرفت منه عناصر صلبة امْتَنَعَتْ من التعاون معهم وعلمت منه نجاحات في مجموعات أخرى سياسية داخل الجيش . بعد فترة قصيرة قرر معاوية اعتباري غير صادق وأريد خداعه وقرر ضرب البعثيين وأراد أن يظهرني كخائن لهم ومتعاون معه بعدم سجني معهم لتكون ضربته لهم شاملة وكنت مطلعا أن محمد لم يكن يوافق معاوية.. وانقطع اتصالي بمعاوية إلا من صلة بمحمد كان يريد منها معاوية أن يستخدمني بعد أن انقطعت عن تنظيم البعثيين و نشطوا في التنديد بي وتخويني وعندما قابلت معاوية طلب مني التعاون مع اعلي بن محمد فال لمعرفة أسماء منظمة صلاح الدين التي كنت أقودها وقال لي وهو حي وأسال الله له طول العمر أنهم عرفوا كل شيء إلا المنظمة التي كنت أقود فقلت له : سيدي الرئيس هذا الذي طلبت يضرني ولايفيدك كيف يفيدك أسماء بعض البسطاء ؟ وكيف أستطيع أن أنام إذا أعطيتك أسماءهم؟ فغضب وأنهى الاجتماع واعتبرني عدوا حتى ترك السلطة رغم أنه بعد فترة وبسبب محمد كما أخبرني أرسلوني لصونلك وفي فترة أخرى وكنت متصلا بتكتل قوة الديموقراطية بعث لي دداهي وأعطوني وظيفة أيضا ولم يكلفني بأية بمهمة سياسية أو غيرها أبدا ورغم انفتاحه على البعثيين الذين اتهموني بالعلاقة به لم يرد لي الاعتبار لأنه استمر يعتبرني خدعته وعملت لخدمة جماعتي وقد التقى بهم دوني وبقيت خارجهم!!! و انقطعت علاقتي طويلا بمحمد بن عبدالعزيز إلى ما قبل إطاحته بسيدي بن الشيخ عبدالله لقد اتصل بي وأوضح لي دون تحفظ خلافه مع سيدي وكيف أنه لايراه وفيا له فيما قدم له وكنت غير مرتبط بعلاقات بأي جهة ولم تكن لي معرفة بسيدي بينما كنت أعرف محمد كما أوضحت وقبلت وبدأت أعمل ما يفيده وبذلت في ذلك الكثير يضيق المجال عن ذكره وقد أخبرني ولا أعلم هل أخبر غيري أنه مستعد للسير بعيدا ضد سيدي إلى درجة إزاحته وبذلت مجهودا لجعل حزب تكتل القوة الديمقراطية لا يعارضه عن طريق صلاتي بإسماعيل بن اعمر نائب رئيس الحزب وبذلت جهودا مضنية مع قريبي القائد الفذ المغفور له المحفوظ بن خطري لأقنعه بدعم محمد وفشلت ! وكلفني برسالة للطالب مصطفى بن محمد الأمين نائب جغني قبل الانقلاب بيوم واحد تتضمن كلاما واضحا حول نواياه حيث قال لي قل للطالب مصطفى أن سيدي لن يعمل شيئا بعد الآن.. وبعد الانقلاب استمريت أسانده شهورا عديدة لكنني بدأت أشعر بنشاط وتوجه اعتبرته أقرب للجهوية واعتبرته غير مبال بما كان يعمل معه فلم أراه ولم أوصل له أي رأي وبدأت أشعر بتناقض بين ادعاء مكافحة الفاسدين وكان يقصد بهم أهل نظام معاوية في الوقت الذي يبحث عنهم وأتى بهم واحدا بعد واحد وشيئا فشيئا بدأت أحس بالتناقض بين ما نريد وما يجري فقررت الابتعاد رغم أنني كنت أقود مجهودا واسعا لصالحه وكان معي رفاق عزيزين إلي منهم محمد يحظيه بن ابريد الليل وإخوة كنت الذي اقنعتهم بدعمه رغم كل ذلك أعلنت معارضتي له وحاولت التعاون مع الزعيم الكبير أحمد بن داداه ورغم ترحيبه بي واعتباره لي مستشارا له فإنني لم أستطع إقناعه بالتوقف عن تأييد محمد ولم أستطع إقناعه أن محمد يسعى للحكم ولم يبقى إلا أن أخبره بما يقول محمد عن المعارضة الشيء الذي لم أكن لأقوله. ولقد استمريت طيلة تاريخ محمد بن عبدالعزيز بعيدا من السلطة ولم أستفد في دولة محمد أية فائدة وكنت مثل الجميع أرى الأفعال في واد والأقوال في واد آخر رأيته لا يعمل ولا يعمل معاونوه إلا ما يستحى من قوله... وهو يكرر الليل والنهار أنه محارب للفساد وقد استغربت كثيرا كيف لايهتم بي وهو خبرني وعرف عني الكثير... واعتبرت ذلك من قلة اهتمامه بجميع الناس... و عندما أراد الترشيح مكانه وجاء بصديقه ورفيق حياته محمد بن الشيخ الغزواني لم أحتفل به ولم أدعمه لأنه زميله ورفيقه كما عرفنا جميعا طيلة هذه الفترات الأخيرة فلم يمنعني من دعم غزواني إلا زمالته لعزيز ولقد رأيت الكثيرين يلتفون حول غزواني وبعد انتخابه تفاءلت كما تفاءل الكثيرون وزدت عليهم في تفاؤلي بسبب إلحاح الظروف والحاجة لإصلاحات رئيسية تنقذ البلد وتمنع الانهيار وكان مبعث تفاؤلي: أولا: ما أظهر من تفتح على الجميع وما أبدى من لين عريكة ودماثة خلق شكلا حالة تبعث على الاطمئنان. ثانيا: إلحاح الظروف والحاجة لدعمه حتى يستطيع مواجهة مشكلات لا يمكن تأجيل مواجهتها ومن أهم هذه المشاكل النضال ضد الفساد فعلا لا قولا كما كان الحال. ولقد استمعت اللجنة البرلمانية وأنا غير مطمئن لجديتها وفعاليتها ولموقف السلطة منها لأن موضوع الفساد من أخطر الموضوعات وأكثرها تعقيدا وعندما ظهرت النتائج الأولى للتحقيقات وكانت هائلة و رهيبة وتتجاوز مستوى الغرابة إلى مستوى يصيب بالدهشة والذهول رأيت الأمور تتركز حول رئيس لقبه كثيرون برئيس الفقراء وعدو الفساد رأيت فساده الأخطبوط تمتد أذرعه ومجساته في كل الاتجاهات.. أمام هذا الوضع و أمام عشرات الأسماء من علية القوم ورفاق مرحلة الرجل الذين تورطوا في عشرات القضايا والصفقات وعشرات قضايا النهب والهدر والإفساد للثروة والممتلكات العامة رأيت أن الحكمة تقتضي التعامل مع هذه الأمور بحكمة وتأني بحيث يتضمن إحقاق الحق عدم الإضرار بالوطن، رأيت أن هذه الأمور الغريبة تحتاج في علاجها مراعاة عدد من الاعتبارات: أولا: إن الفساد ظاهرة متفشية في المجتمع ورغم إلحاح علاجها فلا يمكن علاجها مرة واحدة وبشكل كامل لابد من التدرج ومراعات الموضوعية وتجنب الانتقائية وعدم العدالة في التعامل مع المشكلات المتشابهة في القضايا المختلفة... ثانيا: يجب التركيز في علاج ظاهرة الفساد إلى الحاضر والمستقبل بالتدقيق في اختيار المسؤولين النزهاء و وضع نظم محددة لأساليب التسيير وقوانين جزائية واضحة تبين ما ينتظر المخالفين في المستقبل، أما مايظهر من فساد كان في مراحل الماضي فيكون التعامل معه بما يضمن استرجاع ما أمكن من المنهوبات واتباع طرق مبتكرة في التسويات والمعالجات لأن مامضى من الزمن لايمكن بحث كلما جرى فيه.. وأخذ بعضه وترك بعضه يتضمن شبهة الانتقائية وعدم العدالة اللتان لا يجب الوقوع فيهما. ثالثا: يجدر بنا ونحن نتعامل مع ماضي تصرفات الرئيس أن نضع عددا من الاعتبارات أمام أعيننا: 1- أن هذا الرجل كان رئيسنا إن لم يكن بانتخابنا جميعا له فبانتخاب أكثرية من المواطنين. 2- لقد ترك لنا هذا الرئيس آثارا لا تمحى لرئاسته فقد غير الدستور والنشيد الوطني والعلم الوطني وغير العاصمة وجعلها عواصم وأنشأ مؤسسة الوثائق المؤمنة وأنشأ مقاطعات ومجمعات سكنية وترك عشرات المراسيم والقوانين وترأس قمتين عربية وإفريقية وقمم جهوية كثيرة، إننا مهما فعل هذا الرئيس لانستطيع إلا أن نحاول عدم المس بكرامة الوطن واحترام من قاده عقدا من الزمن إذا لم تهتم كل الناس بهذه الاعتبارات فلا يمكن للرئيس محمد بن الشيخ الغزواني إلا أن يضع كل هذه الأمور في الحسبان ويبذل الممكن للوصول لتفاهمات تضمن استرجاع ما أمكن وحفظ كرامة الوطن في رئيس قاده طويلا وصفق له كثيرون و وثق به كثيرون رغم كل شيء.!! 3- إننا بشكل أو آخر نشترك في المسؤولية التي تؤخذ على الرئيس السابق لأننا انتخبناه وأحطناه إحاطة السوار بالمعصم بحيث اشتركنا في كل مافعل مباشرة كما هو الحال للوزراء والأمناء العامون والمدراء المركزيون أو بشكل غير مباشر كقيادات للأمن وكمسؤولين عن الجمارك ومحاسبين وخبراء في مختلف الدوائر . إننا نلتمس من قيادتنا الحكمة والحصافة فبمعالجة ملفات الفساد الحالية والتي نرى أن التعامل معها لا يمكن إلا ان يتسم بالدقة والحصافة والاستعداد لأقصى درجات الحذر من الوقوع في مطبات سذاجة المعالجة وعدم مراعاة مختلف جوانب المسألة. نحن لانطلب من القيادة عدم التحقيق والتدقيق فيما جرى إنما نطلب بذل الممكن لتدوير الزوايا و وضع حلول متفاوض عليها واسترجاع أجزاء مما فقد و الحفاظ للوطن على كرامته وتاريخه وتماسكه وفي نفس الوقت تأسيس خطط جديدة في تسيير الشأن العام وتثبيت نهج حكامة رشيدة يتطلبها الوطن في حاضره ومستقبله وستكون التحقيقات والتسويات في المسائل الحالية هي نقطة الحدود بين ماضي الفوضى والسيبة وحاضر ومستقبل الحكمة والرشاد، فإن رأت القيادة حكمة فيما أوردنا فذلك الذي قصدنا وإن رأت غيره فالله أسأله لها السداد، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.....