أخلاقيات مهنة الهندسة: دعوة لميثاق شرف المهندس / محمد عبد الله شياخ

تعتبر مهنة الهندسة من المهن التاريخية التي رافقت حياة بني آدم منذ القدم، وبناء الكعبة المشرفة الذي يقال إن الملائكة شاركت فيه، ورفع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بعد ذلك قواعد الكعبة دليل على هذه العراقة في هذه المهنة، ويذكر لنا القرآن الكريم بعض الأبنية كقول الله ﷻ في قصة موسى عليه السلام: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ﴾ غافر الآية 36،

 ويبين سبحانه أن هذا الصرح من الطين: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ القصص الآية 38 ويصف القرآن الأبنية الفاخرة: ﴿وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الزخرف 33-35

كما يذكر القرآن الكريم كذلك البناء العجيب الذي بناه ذو القرنين وهو سد يأجوج ومأجوج شديد المتانة والقوة:

﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ الكهف 96-97

ونبينا ﷺ شارك في بناء الكعبة قبل نبوته في القصة المشهورة في السيرة النبوية وكان في عهده صلى الله عليه وسلم من يمتهن حرفة البناء فأقرهم على ذلك.

ولم تزل مهنة الهندسة من المهن التي تمس حياة كل إنسان، لحاجة الناس لها في مساكنهم وطرقهم ومكاتبهم ونظرا للتطور الذي تشهده هذه المهنة في حياة الإنسان المعاصر، 

وفي موريتانيا نحتاج لتشكيل لجنة استشارية هندسية تعد مشروع قانون بتأسيس الهيئة الموريتانية للمهندسين تصدر الموافقة بإقرار القانون المذكور في مجلس الوزراء.

ويكون من إنجازات هذه الهيئة وضع مبادئ عامة لآداب ممارسة مهنة الهندسة، وهي مبادئ مهمة جديرة بالتطبيق، لأنها تتفق مع الآداب الإسلامية، وتشمل كل ما يهم المهندس في عمله، وفي مقدمة هذه المبادئ التي  على الهيئة أن تأخذها بعين الإعتبار:

(الرفع من مستوى مهنة الهندسة والخدمات التي يقدمها المهندسون إذ لا غنى عنها في أي تقدم حضاري، ولأن حماية وتسخير الموارد الطبيعية لخدمة المجتمع والرفع من مستوى معيشته أمر أساسي، لذا يصبح من الضروري أن يقدم المهندسون خدماتهم المهنية وفقا لمبادئ ومعايير أخلاقية تتوخى الصدق والأمانة والإتقان حتى يتحقق المرجو من وضع تلك المبادئ.

ويجب أن تحرص الهيئة الموريتانية للمهندسين، التي تهدف إلى النهوض بمهنة الهندسة وكل ما من شأنه تطوير ورفع مستوى هذه المهنة والعاملين فيها بموجب النظام الذي يجب أن يصدر في مرسوم رئاسي أو مرسوم في مجلس الوزراء، وعليها أن تقدم رؤيتها المتمثلة في (( الرقي بمهنة الهندسة وتمكين المهندسين والمؤسسات الهندسية من الوصول إلى الحلول المثلى، ورفع مستوى الأداء وتشجيع الإبداع والابتكار لتحقيق مكانة مرموقة دوليا، 

(( ولذا أرى أن تضع المبادئ بين أيدي المهندسين والتقنيين في مختلف مواقعهم لتكون بمثابة قواعد مهنية لأصول التعامل المهني السليم فيما بينهم ومع الآخرين لخدمة المجتمع.

ولما كان العدل والنزاهة والصدق والأمانة والوفاء بالعهد وحفظ السر والتناصح وإتقان العمل والابتعاد عن إيذاء الغير في مجملها هي مكارم الأخلاق والقيم التي يدعو إليها الإسلام ويحث على التمسك بها والالتزام بتطبيقها في الحياة اليومية كان لزاما على من يمتهن هذه المهنة النبيلة أن يتحلى بتلك السمات العليا.

وعلي الهيئة الموريتانية للمهندسين أن تراعي فيما ستعده من قواعد وأخلاقيات ممارسة المهنة هذه الأسس والمبادئ والقيم، ومن البديهي أن تتوقع من كافة المهندسين الالتزام بها في جميع ممارساتهم المهنية وفق ميثاق المهندس الذي يجب العمل به ).

وميثاق المهندس المشار إليه أقترح أن يكون على الشكل التالي:(( بما أني أحد المسجلين في الهيئة الموريتانية للمهندسين، أتعهد بموجب هذا الميثاق أن أحترم اللوائح والأنظمة الخاصة بممارسة مهنة الهندسة وفق الأهداف السامية التي يجب أن تنشأ من أجلها الهيئة الموريتانية للمهندسين))، لتعزيز مكانة وكرامة وقيم مهنة الهندسة بما ينعكس على خدمة ورقي ورفاهية المجتمع المبنية على القواعد والاخلاقيات والالتزامات الآتية: 

أن أبني سمعتي المهنية على كفاءة وجدارة الخدمات التي أقدمها، كما أبتعد عن منافسة الآخرين بشكل غير عادل.

أن أسعى لتنمية قدراتي وكفاءتي الشخصية، كما أوفر فرص التطوير المهني للمهندسين والتقنيين العاملين تحت إشرافي.

أن ألتزم بتعزيز القيم والمبادئ الأساسية لأخلاقيات مهنة الهندسة وترسيخها في المجتمع مع التزامي في تصرفاتي بالأساليب التي تدعم وتعزز مكانة وأمانة وكرامة المهنة محليا ودوليا.

أن أتصرف في المسائل المهنية كوكيل حريص لصاحب العمل، وأن أتجنب أي تعارض في المصالح.

أن أحرص عند تقديم أفكاري وآرائي وقراراتي، أن تكون بطريقة موضوعية وصادقة وفي مجال تخصصي وخبراتي المهنية.

أن أسعى عند تقديم خدماتي المهنية إلى الأخذ بأعلى معايير السلامة وحماية البيئة تحقيقا للمصلحة العامة للفرد والمجتمع.

تضع معظم الجمعيات التكنولوجية والمهنية لأعضائها أدبيات المهنة، وهي عبارة عن لائحة تفويض بالمبادئ الأساسية لأخلاقيات مهنة الهندسة ووضع الشرائع الأساسية وهي متشابهة في مجملها.

ويمتلك المهندسون مسؤوليات أخلاقية مهمة اتجاه كل من: أرباب العمل، الزبائن، الاحتراف والمجتمع.

ويعد الطريق الأقصر للوصول الى اتخاذ القرار الهندسي الأخلاقي الصحيح هو أن يتبع المهندسون المعايير الأخلاقية الاحترافية لمهنهم التي تضعها المؤسسات المختصة، حيث أن التصرف الأخلاقي الصحيح لا يكون نتيجة التقيد بالرأي الشخصي فقط. فقد نجد ملايين الأشخاص يقومون بعمل غير صحيح، وكون عددهم كبيرا لا يجعل ما يعملون صحيحا.

وهناك قاعدة أخلاقية عامة تنص على أنه: 

″ لا يوجد طريق صحيح لعمل شيء خاطئ ″

ولهذا يقود الالتزام بأخلاقيات المهنة الى خلق المهندس المحترف في عمله.

 

22. أغسطس 2020 - 16:02

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا