عرفت موسوعة ويكيبيديا التطبيع بأنه مصطلح سياسي يشير إلى «جعل العلاقات طبيعية» بعد فترة من التوتر أو القطيعة لأي سبب كان، حيث تعود العلاقة طبيعية وكأن لم يكن هناك خلاف أو قطيعة سابقة، ولا شك أن هذا التعريف في ظاهره يضفي دعوة ظاهرة أو مبطنة إلى الهدوء والسكينة مهما كانت الأجواء النضالية ضبابية ومهما كانت الساحة السياسية ملتهبة، والاقتصادية متأزمة، الأمر الذي قد يجعل الدعوة إلى تطبيع العلاقات بين طرفين أمرا مرغوبا بل مطلوبا والدعوة إليه فضيلة لا يمكن التساهل في تركها.
وفي ظل الأجواء السياسية الحالية التي لا تزال ضبابية ولا تزال العلاقة بين الطبقة السياسية فيها متنافرة رغم أجواء الانفتاح التي يعبر عنها كل طرف على حدة، وذلك مما يجعلنا ندعو إلى مزيد من التشاور والتحاور حتى نتجاوز عقدة الخلاف و مكامن الاختلاف، وندفع باتجاه توافق سياسي كامل وشامل وإن كان على محمل التطبيع الذي يتجاوز محل التعارض والتجافي إلى أوجه الاتفاق والتلاقي.
على الصعيد الاجتماعي نحتاج خطابا يمزج بين العاطفي والعقلاني يخاطب القلوب والعقول، يستمد عاطفته مما يجمعنا من أواصر الدين والقرابة والمشتركات الاجتماعية ويستمد عقلانيته مما يشملنا من وحدة المصير في وطن ليس لنا سواه، ولا شك أن خطابا كهذا يحتاج أيضا إلى أسلوب تطبيعي يبعد ما يمكن أن يشكل هاجسا يوقظ مارد الخلافات من مكمنه.
على الصعيد الاقتصادي لا خلاف في أن الوضع صعب والمشاكل كثيرة ومتراكمة في ظل حالة الفقر المدقع الذي تعانيه غالبية الطبقة الاجتماعية وفي ظل البطالة المنتشرة والتي لا شك أن عواقبها على الاقتصاد خطيرة جدا حيث تمنع عجلة الاقتصاد من السير على طريق التنمية، وهذا أمر يجعل الفاعلين في الحقل الاقتصادي بحاجة إلى تجاوز ضرورة الربح الكبير إلى استحضار روح الإيثار وخفض الأسعار إلى أدنى حد يكفل للمواطنين العيش ويوفر للتاجر المكاسب بعد دفعه لكل الرسوم المستحقة عليه من طرف الدولة.
على الدولة أن توفر مظلة لأجواء هذا التطبيع الشامل الذي ندعو إليه ونسعى إلى ترسيخه في موريتانيا، فليس لنا من ملجإ سوى هذه الأرض ويجب الدفع بكل ما يمكن من أجل أن نعيشه عليها في أجواء من الوفاق والتجانس والتراحم وعيش رغيد في ظل الدولة التي هي الضامن لكل هذا.
العقلانية تدفع باتجاه تجسيد هذه الأفكار والعاطفة تدعو إلى ذلك والمنطق السليم هو المرجعية في كل ذلك. استقرار الوطن وتنميته هدف والمواطن هو الغاية والوسيلة من كل ذلك.
دعوتنا إلى تطبيع العلاقة بهذا الشكل مرجعها إلى حالة القطيعة التي كانت سائدة طيلة العشرية السالفة والتي عشنا فيها أزمات سياسية متلاحقة وكنا فيها على شفا انهيار اقتصادي واجتماعي وبنيوي كامل لولا أن تداركتنا رحمة من الرحمن.