مفترق طرق! / محمد محمود إسلم عبد الله

يبدو أن ملف شبهات الفساد الذي أثار جدلا مستفيضا لأشهر عديدة في موريتانيا سيعرف طريقه أخيرا إلى العدالة ؛ ملفات عديدة جرى ويجري التحقيق فيها ، وعشرات الشخصيات تم استجوابها ، في قضية شائكة ومعقدة سيكون لها بكل تأكيد مابعدها ، وتأثيرها على المسار السياسي والإجتماعي للبلد لن تخطئه عين الناظر في المديين البعيد والمتوسط.

إن البلد اليوم على مفترق طرق إما أن تكون الحملة على الفساد جادة وصارمة ، ووفق معايير تحترم الدستور والقوانين وتعيد بعث الدولة من جديد ، أو تكون    -لاقدر الله- مناكفة سياسية وتصفية حسابات ومناورة تكتيكية ، وبحثا عن أنصاف حلول لاطائل من ورائها ولا جدوى ، وهو ما لا يتمناه أحد.

إن محاربة الفساد تحتاج مقاربة صعبة وعملا دؤوبا ، لاتكفي فيه الأدلة الملقاة تحت الأضواء ، ولا الإنتقائية ، أو التضحية بعشرات الأشخاص في ظرف وسياق معين مهما كانت عظمة جرائمهم.

مكافحة الفساد تحتاج ثورة قِيمية ، ونشر الوعي بين المواطنين، وضرورة التركيز على استخدام البحث العلمي، وتشجيع الصحافة الإستقصائية المسؤولة.

السلطات بدورها والمواطن البسيط بحاجة إلى بيانات علمية وموثوقة فالكثير مما ينشر عن الفساد مضلل ومتحيز.

 بحاجة كذلك أيضا إلى وضع العمل الحكومي بشكل دائم تحت الأضواء بشفافية ومسؤولية ، وإطلاق اليد الطولى في المحاسبة للقضاء دون تحديد أي سقف زمني لذلك ، ودون محاباة لأحد.

وإذا كان تعريف الفساد بأنه عمل غير نزيه من قبل فرد يشغل منصبا عاما في سبيل تحقيق بعض المكاسب الخاصة على شكل ميزة مكتسبة ، أو على شكل مال كالرشوة ، وغسيل الأموال ، والإحتيال ، والخداع ، والغش ، والمعاملات المزدوجة واللا قانونيه ، والإبتزاز ، فإن جل موطفينا مع الأسف يمارسون الفساد بشكل أو بآخر.

إن غياب الوازع الأخلاقي وموت الضمائر أكبر مسبب للفساد ، فقد بات الجميع –إلامن رحم ربي- همهم الوحيد المال والسلطة بأي وسيلة ، ودون وضع حد للإعتبارات الأخلاقية ، مع انخفاض الحس الوطني لدى الموظفين والمواطن بشكل عام مع الأسف.

إن مواجهة الفساد تحتاج الشجاعة ، وتعزيز الوعي لدى المواطنين ليتعاونوا مع الجهات المختصة ضد المفسدين ، بالإضافة إلى سن قوانين رادعة لاتعرف محاباة ولا تمييزا ، والوقوف في وجه أي شكل من أشكال عرقلة العداله.

إن بلدا ينخر الفساد في كل مفاصل هيكله ، وتحكمه فلسفة السيبة (ومال هوش) ومبتلى بفقدان المناعة الأخلاقية ، وعصابات لصوص المال العام مهدد في نسيجه وتماسكه الإجتماعي ومصيره مظلم ومجهول.

إننا بحاجة اليوم إلى سن قوانين ثورية لمحاربة الفساد أهم ما فيها تحريم تولي تسيير الشأن العام والترشح للوظائف الانتخابية على كل من صدرت بحقه إدانة قضائية بالفساد ، وفتح كل ملف أثار الشبهات للتحقيق ، ومن قتلته الشريعة فلا أحياه الله.

 

26. أغسطس 2020 - 10:07

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا